+ A
A -
يعقوب العبيدلي
التواضع عبادة، ولا يزيد صاحبه إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، من علامات التواضع، لين الجانب، والابتسام، وحسن الكلام.. التواضع يرضي الرب ويباهي الله بك الملائكة، المتواضع كغصين شجرة محمل بالثمار، تراه منحنياً متدلياً، من كثرة ما يحمله من خير، ويكاد يصل إلى الأرض، أما الغصن الفارغ فتراه شامخا عاليا، دليل فراغه من كل خير ولا ثمر، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحبكم إلىّ أحسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون) وفي ذلك قال الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر، على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه، إلى طبقات الجو وهو وضيع
جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى أوحى إلىّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد) نعم، رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، كان الغريب إذا جاء من خارج المدينة يرى الصحابة جلوسا والنبي صلى الله عليه وسلم بينهم كواحد منهم لا يتميز عليهم، فيسأل الرجل: أيكم محمد؟ فيشيرون إليه، وقدْ كانَ صلى الله عليه وسلم آيةً فِي الرحمةِ والشفقةِ والتواضعِ، يَأْتِي الضُعَفَاءَ وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ المَرْضَى، وَيَشْهَدُ الجَنَائِزَ، ويَزُورُ الصحابةَ وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ بِرُؤوسِهِمْ، وفِي بيتِهِ نعم القدوة وفي الميدان والساحات خير مثال، فإذَا حضرَتِ الصلاةُ قامَ إلَى الصلاةِ، ولَمْ يكنْ ينتقِمُ لنفْسِهِ، ومَا ضربَ َ خادمًا، ويأكلُ معَ الجميع، ويجالسُ المساكينَ، ويمشِي معَ الأرملَةِ واليتيمِ فِي حاجتَيْهِمَا، ويبدأُ مَنْ لَقِيَهُ بالسلامِ، لقد علم نبينا أصحابه لين الجانب والتواضع لخلق لله، والأولى بنا أن نتأسى بهذه الأخلاق اليوم في واقعنا، ونلتمس سنة نبينا وحبيبنا، وهذه الأخلاق هي التي جذبت قلوب الناس إلى الإسلام، فدخلوا في دين الله أفواجا. كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير مع بعض أصحابه، فلقيته امرأة من قريش وكان واضعا يده على كتف صاحبه فقالت له يا عمر: فوقف لها، قالت: كنا نعرفك ونناديك «عميراً» ثم صرت من بعد «عمير» عمر، ثم صرت من بعد «عمر» أمير المؤمنين، فاتق الله يا ابن الخطاب وانظر في أمور الناس، فإنه من خاف الوعيد، قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت، خشي الفوت، فقال صاحبه: يا أمة الله لقد أبكيت أمير المؤمنين فقال له عمر: اسكت ! أتدري من هذه ؟ هذه (خولة بنت حكيم) التي سمع الله قولها من سمائه فقال: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) - سورة المجادلة - فعمر أحرى أن يسمع قولها ويقتدي به، ما أجمل التواضع الذي يرفع قدر صاحبه، ويسمو به، ويحبب الناس إليه، وما أجمل المتواضعين الذين منهم العباقرة والصالحون والساسة والأخوة الزملاء والكثير من الأصدقاء، التواضع سلم للشرف والرفعة، قيمة فاضلة، وصفة نبيلة وراقية، يجب أن يدرب عليها جيل اليوم في المدارس والبيوت، التواضع لا يكون إلا عند الشخصية السوية، العاقلة المعتبرة الرحيمة، لا المتصنعة الحقيرة، هي نتاج التربية الصالحة والتنشئة الراقية..
نسأل الله أن يهدي بعض من وسّدوا الأمانة أن يتحلوا بها، وينالوا حظاً منها، بدل ظلمهم وتجبرهم وطغيانهم وأمراضهم، وعقدهم، وكبرهم الذي له أول ماله من آخر، ونسأل الله أن يجعلنا من المتواضعين ومن عباده الصالحين، اللهم آمين، وعلى الخير والمحبة نلتقي.
copy short url   نسخ
17/06/2020
4756