حالة من القلق تجتاح العالم العربي بعد الإعلان عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية 2024.
هذا القلق قد يكون مبررًا إلى حد ما نظرًا لسجل ترامب المناهض للعرب والمؤيد لإسرائيل؛ فقد كان عرابًا للاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية وراعياً للتطبيع دون السعي لحل القضية الفلسطينية أو الضغط على إسرائيل لتقديم أي تنازلات. بل على العكس، فقد قام ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، متجاهلاً الاتفاقات السابقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالتقسيم وحدود ما قبل 1967، إرضاءً للإسرائيليين وحلفائهم في الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، استقبل بنيامين نتانياهو خبر فوز ترامب وحكومته المتطرفة بفرحة عارمة، حيث هنأ نتانياهو ترامب في منشور على موقع إكس قائلاً: «عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تمنح الولايات المتحدة بداية جديدة وتجدد الالتزام بالتحالف العظيم بين إسرائيل والولايات المتحدة».
المتطرفون في إسرائيل يعلقون آمالًا كبيرة على ترامب لتنفيذ مخططهم وتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» من النهر إلى البحر والقضاء على أعداء إسرائيل.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيسير ترامب على النهج نفسه بدعمه الكبير لإسرائيل والإذعان لرغباتها، حتى لو تطلب الأمر تهجير الفلسطينيين أو التورط في حرب شاملة مع إيران وحلفائها؟
في الحقيقة، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار أن حسابات ترامب في ولايته الأولى (2016-2020) تختلف تمامًا عن حساباته وأهدافه في ولايته الثانية، التي ستكون الأخيرة له. ترامب ليس رجل حرب؛ فلو كان كذلك لربما خاض حربًا ضد إيران. لكنه اكتفى بإلغاء الاتفاق النووي معها، مما أثار استياء نتانياهو الذي كان يتوقع ردًا أكثر عنفًا. كما أنه لم ينفذ «صفقة القرن» بشكل كامل أو يهدد بتهجير الفلسطينيين بهدف كسب دعم إسرائيل وحلفائها في أميركا خلال انتخابات 2020.
ترامب رجل صفقات. كل ما فعله هو تقديم «رشوة انتخابية» للناخبين اليهود عبر اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بمرتفعات الجولان والإعلان عن أن التطبيع قادم، حتى لو كان على حساب الفلسطينيين.
ترامب رجل أعمال انتهازي، كل ما يهمه هو استغلال الفرص لتحقيق المال. يسأل دائمًا: «كم ستدفع لكي أحميك؟» ولهذا يكرهه الأوروبيون الذين يخشون ابتزازه لحمايتهم من روسيا، كما فعل عندما أجبر كوريا الجنوبية على دفع مليارات الدولارات الإضافية مقابل الحماية والخدمات العسكرية الأميركية.
قد يكون ترامب مفاجأة للجميع ويحرص على إنهاء الحرب لوقف نزيف الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، الذي بلغ نحو 18 مليار دولار منذ بدء الحرب على غزة، مع الإبقاء على النفوذ الإيراني وأذرعه لاستنزاف المنطقة مقابل تقديم الخدمات العسكرية من أجل المال.
ترامب شخصية حازمة وعنيدة، ولن يسعى إلى توريط أميركا في حروب بلا فائدة أو عائد اقتصادي، خاصة أنه ليس بحاجة لشراء ودّ الإسرائيليين واللوبي الصهيوني كما كان خلال ولايته الأولى.
هذا الأمر قد يرفضه نتانياهو بشدة، وقد يسعى لتوريط ترامب في مواجهة مع إيران من خلال توجيه ضربة قوية لها توسع نطاق الصراع، معتقدا أنه لن يتخلى عن إسرائيل بفضل ضغط اللوبي الصهيوني عندئذ، خصوصاً وأنه يرى في ترامب ملاذاً أخيراً لاستمرار الحرب والبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.