+ A
A -
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
مرام المصري هي الشاعرة العربية الوحيدة في العالم التي وصلت للعالمية قبل أن تحقق شهرة محلية، هي ظاهرة عذبة في الشعر العربي، وقد أعانتها شخصيتها المفرطة في الإنسانية على سكب أحبارها لإحياء قصائد حياتية بأعلى درجات البوح والمكاشفة.
مرام حسناء شامية ولدت باللاذقية عام 1962 لأسرة مثقفة، وقد أهداها القدر موهبة وجمالا لا يذبل والأخ «الكنز» وهو الشاعر السوري الكبير «منذر المصري» والذي كان عراباً لها.
كان منذر لمرام كـ «إبراهيم طوقان» لأخته «فدوى طوقان» الذي أخذ بيدها وعلمها الشعر بعد أن منعها الأهل من استكمال تعليمها.
حرص الشقيقان على تعريف المجتمع الثقافي بموهبة أختهما، فقام كل منهما بنشر قصائد أخته في المجلات الثقافية.
آمن «منذر» بموهبة شقيقته فأخذ ينشر لها قبل ما تدرك أن ما تخطه يعد من قبيل شعر الحداثة.
كذلك جمع «منذر» قصائد «مرام» ورسائلها العاطفية ونشرها في كتاب مشترك يجمعه بها وبالشاعر «محمد سيدة»، بعنوان «أنذرتك بحمامة بيضاء».
لم تتوال أعمال مرام، فقد صمتت عن الشعر لأكثر من عقد من الزمان بعد أن غادرت سوريا لتستقر في فرنسا منذ 1982، حيث تزوجت وتفرغت لأسرتها ولأمومتها.
وكانت تلك الفترة كفيلة بأن تجعل موهبة الشاعرة كقنبلة على وشك الانفجار. وبالفعل انفجر البركان وصدر ديوانها الشعري الثاني «كرزة حمراء على بلاط أبيض» في عام 1997، وقد نالت عنه جائزة «أدونيس» للإبداع الشعري.
واللافت في تجربة «مرام» أنه إبداع من نوعية خالية من التعقيدات، لكن بساطته مفرطة ومباغتة، فهي تتعمد التقشف في المحسنات البلاغية، فشعرها أشبه بوليمة من ثمار عضوية، خالية من مكسبات الطعم الزائفة. فهي ترسم مشاهد شعرية متحركة باستخدام جماليات لصور بصرية خفية.
في الشارع المؤدي إلى منزلها، صالونها مضيء، طيفها يتأرجح كقنديل..
تريد من الله أن يلوح لها بمروحة نسائمه، أو يبلسم بأنفاسه حروفها كأم حنون..
كذلك فإن مفردات «مرام» ليست كالمصوغات الذهبية الهندية المزدحمة بالتعقيدات أو المحسنات البديعية، بل تجدها أميل لحلي نورانية من ياسمين وجوري. وهي تتعمد أن تخلع عن نصوصها الإيقاع ولا تخنق قصائدها بالقوافي، كما تحررت من عباءة الأوزان، لذا، هام الغرب بقصائد الحسناء الشامية كونها تشبه بساطة فساتين أعراس الأوروبيات، لا زركشرات ولا تطريز من «ترتر» لامع، بل مجرد نسيج من «دانتيل» على جسد مانيكان فاتنة.
شعر «مرام المصري» أشبه بحسناء، يغنيها جمالها الطبيعي عن التبرج بأدوات تجميل صناعية.
قصائدها أميل لديكورات الريف الانجليزي أو «الكانتري هاوس». لذلك، لقي شعرها إشادة عالمية من قبل الكثير من نقاد الغرب والعرب على حد سواء، كما تحمس لها «ميشيل بينيون» وقد ترجمت أعمالها للفرنسية، الألمانية، الإنجليزية، الإيطالية، الإسبانية، الصربية والتركية.
مرام التي عاشت كربّة منزل لفترة طويلة، لا تكتب عن الحب فحسب، بل عن الحياة والخيبات والمعاناة، بل لها قصيدة لا تنسى عن «الغبار» الذي ذكرها أنه مثلها لاجئ ومنفي، يطير من مكان لآخر، ويطرد من بلد لآخر بالإزاحة.
وكما أهداها القدر جمالا وموهبة والأخ الكنز، إلا انه سلبها ابنها بعدما تم اختطافه منها وهو ابن الثالثة، فكتبت ديوان «اختطاف» ثم توالت أعمالها «أنظر إليك». و«العودة» وهو عنوان مجموعتها الرابعة، تلاها «من نبع فمي»، و«أرواح حافية الأقدام» والذي نالت عليه جائزتين. وتنتظر الآن صدور ديوانها «إشارات الجسد».
الغريب أن الشاعرة السورية خاصمت شعر الدمشقي «نزار قباني» بعدما قرأت له بيتاً رأت فيه ازدراء لمكانة المرأة: «يكفيه ذلاً، أنه قد جاء ماء البئر.. بعدي».
وحين وصلتها دعوة من «محمود درويش» لمقابلته لم تندفع للتعارف، فلم تكن بحاجة لعراب في وجود أخ «كمنذر المصري».
مرام تبتهل أكثر منها تنظم، فهي تعري أسرارها لتكشف عن روح شفافة، كما لا تخجل من الشفقة وتزهو بأنوثتها وتتيه فخرا بخلقتها كما صنعها الله فتنشد:
أعطني حباً كفاف يومي
ولا تثقل يومي على قلبي الحزين
بمثقال ذرة، خذني.. ولا تضربني بوردة
غضَّ الطرف عن أخطائي، وابعث برسُل، قبل أن تطأ أرضي.
copy short url   نسخ
20/06/2020
1913