ربما ما يزال المثل الشهير: «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب» إلى يومنا هذا من أعظم ما قيل على لسان الحكماء على مر العصور. فإذا كان لحديث أي إنسان قيمة معينة، فإن صمته يفوق في قيمته كلامه بعشرات الأضعاف خلال بعض المواقف المهمة والحساسة، وهذا لا يعني أن الصمت أفضل من الكلام على الدوام، بيد أنه في كثير من الأحداث الحياتية يعادل وزنه ذهباً بكل تأكيد.

على هذا الأساس ينبغي أن تتعلم فن الصمت وتطبقه في مسيرة حياتك. فلا تكن كتاباً مفتوحاً ومتاحاً للجميع في كل الأوقات، لأن الشخص المكشوف علانية لا يثير إعجاب أحد، بل سرعان ما يفقد كل الناس المحيطين به اهتمامهم به. هذا خطأ شائع يقع فيه معظم من يعتقدون أن كثرة الكلام تزيد المرء جاذبية، لكن العكس هو الصحيح. فكلما قل ما تتفوه به من كلمات، زادت هيبتك ومكانتك في أعين الناس، وأصبح الآخرون يترقبون بالدقيقة والثانية كيف ستتصرف وماذا ستقول، ويتساءلون بحيرة وشغف فيمَ تفكر وأنت صامت لا تنطق بكلمة.

لا شك أن كل واحد فينا لديه شبكة علاقات اجتماعية مكونة من أقارب ومعارف وأصدقاء وأحبة، وعليه يجب أن تعامل الآخرين تبعاً لدرجة قربهم منك. فلا تعامل الصديق مثلما تعامل الغريب، ولا تعامل شريك الحياة مثلما تعامل الصديق. وكما يقول المثل: «لكل مقام مقال»، ما يعني أنك أيضاً لا يجب أن تتصرف إزاء الأصدقاء بنفس الأسلوب دائماً، لأنك بذلك ستخسرهم، بل يجب أن تتنوع سلوكياتك تجاه صديقك حسب مقتضى الحال. نفس الشيء ينطبق على المعارف أو الغرباء أو حتى شريك الحياة.

من الأمور المهمة في العلاقات الاجتماعية هي أن تحسن الاختيار. إذ لا يجب بتاتاً أن تتسرع في انتقاء أصدقائك، ولا أن تتقرب أكثر من اللازم من زميل عمل لم تأمن جانبه بعد، ولا أن تبوح بأسرارك لشخص تعرفت عليه للتو.

ومن الذكاء أن تترك مسافة بينك وبين أي شخص في هذا العالم مهما كانت صلتك به متينة، مع ضرورة أن تزداد المسافة بينك وبين من لا تربطك بهم علاقة قوية، وتقل المسافة بينك وبين من تحبهم.

ومن المهم للغاية أن تدرس أي شخص قبل أن تتخذه صاحباً أو تجعله قريباً منك، حتى تقي نفسك من الوقوع في دائرة العلاقات الاجتماعية الفاشلة، وما يتأتى عنها من آثار سلبية على حياتك الشخصية والمهنية.

إن الحذر واجب في علاقاتنا مع الآخرين، فيجب ألا نسيء لأنفسنا بمصادقة بعض الشخصيات السامة، وأن ندعم نجاحنا بمصادقة ومحبة من يدعموننا ويقفون إلى جانبنا في السراء والضراء.

لهذا السبب التزم الصمت، لأنك بالصمت ستستطيع أن تكتشف الكثير من الأسرار. راقب الناس وتحركات أجسادهم وتعبيرات وجوههم لأنها ستبوح لك بالكثير. يمكنك ألا تنطق بكلمة، وأنت تستمع إلى حديث أحد الأشخاص بينما تسبر أغواره وتكتشف صدق كلامه من زيفه في كثير من الحالات، فلا بد أن تخبرك عيناه وشفتاه وتحركات جسمه بالكثير من المعلومات المهمة.

فإذا كنت صامتاً في حضرتك فاحذر، لأنني أحاول اكتشافك أو لأنني قد أكون قد اكتشفتك بالفعل ولم تعجبني. هذه رسالة إلى كل إنسان يلاحظ صمت آخر، حيث عليه أن يدرك أن الصمت أحياناً وسيلة لاكتشافه أو تحديد ما إذا كان يروق للآخر أم لا. وعلى هذا الأساس يجب أن تنتبه عندما يسكت الآخرون ولا تعتبر ذلك إصغاء على الدوام، فبعض الصمت يوحي بأمر آخر قد يخفى عليك، إذا لم تستطع أن تقرأ ما بين السطور.