مضى نحو عقدين من الزمان، ومازال رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو، يتهرب من تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1701) الهش – الصادر عام 2006م.، وينص على انسحاب الكيان الإسرائيلي من لبنان، عقب حرب استمرت 34 يوماً بين المقاومة اللبنانية والاحتلال الصهيوني-، حتى أنه يرفض مقترحات الوسطاء، وما يطرحه أقرب حلفائه الولايات المتحدة الأميركية، عبر مبعوثها الخاص- آموس كوشتاين. ويريد «نتانياهو» إدخال تعديلات على هذا القرار الأممي، الذي لم يكفِ خرقه آلاف المرات، ويريد اليوم أن تُطلق يده في استباحة سيادة دولة لبنان، ومنح القوات الإسرائيلية، حرية الدخول والخروج من، وإلى الأراضي اللبنانية، والتحليق في سمائها، والابحار في مياهها الإقليمية، وبدون أي رقيب، لتنفيذ ما تشاء من عمليات عسكرية، في الداخل اللبناني، بزعم توجيه ضربات استباقية لإجهاض أي محاولة، قد يقوم بها «حزب الله»، من شأنها تهديد أمن الكيان الإسرائيلي.

وتكشف محاولة «نتانياهو» القفز على القرار الأممي، ما هو أبعد من مجرد الاستهانة بقرارات مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، إلى الأطماع الصهيونية الحقيقية من وراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي ثبت أنها لم تكن لتأديب جبهة الإسناد للفلسطينية، منذ اليوم التالي لبدء معركة «طوفان الأقصى» في السابع من شهر أكتوبر العام الماضي، ولا عند سلسلة الاغتيالات، ضد السيد حسن نصرالله، وعدد من قيادات المقاومة الإسلامية اللبنانية «حزب الله»، بل تنفيذ مخطط قديم، ويتجدد لإفراغ الجنوب اللبناني من سكانه، وبناء المستعمرات على انقاضهم، في الشريط الحدودي من شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى نهر الليطاني. وفي سبيل ذلك، عقدت منظمة «أوري تزافون» -اقتباسٌ توراتي، وتعني استيقظ أيها الشمال- مؤتمرها الأول في شهر يونيو الماضي، بمشاركة شقيق زوجة «نتانياهو». وقد دعا المؤتمر إلى ضرورة إعادة احتلال الجنوب اللبناني، كجزء من أرض «إسرائيل الكبرى».

وظلت الأصوات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تتعالى، مطالبة بعدم فصل جنوب لبنان عن المشروع الصهيوني، منذ ظهور «الوكالة اليهودية»- أنشئت في مدينة يافا الفلسطينية عام 1908، لمساعدة اليهود المهاجرين إلى أرض الميعاد التي وعد الله بها نبيه يعقوب أو إسرائيل-. وبعد ذلك جاء مؤتمر فرساي في باريس (عام 1919م.)، ولجنة «كينغ كراين»، ومحاولات كل من: حاييم وايزمان- رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، ودافيد بن غوريون- أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي-، إقناع البطريرك الماروني إلياس الحويك،- الرئيس الثاني والسبعين للكنيسة المارونية-، بالتخلي عن جنوب لبنان. وكذلك تحدث عن الجذور التاريخية للمشروع الصهيوني في لبنان كل من: السياسي والوزير الإسرائيلي الأسبق الياهو ساسون- والد موشي ساسون سفير إسرائيل الأسبق بمصر-، من خلال كتابه ( في الطريق إلى السلام)، وكذلك المستشرق والدبلوماسي- الياهو أيلة – أو سفير إسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية-، في كتابه ( جلوس العرب وصهيون).

وعلى ما يبدو، فإن «نتانياهو» الذي اعتاد المراوغة والهروب في كل المفاوضات، ويستعرض مواهبه في القفز على القرار الأممي رقم (1701)، يثبت وبما لا يدع مجالاً للشك، أن شهية الابتلاع والاستيطان مفتوحة على مصرعيها، عند اليمين الإسرائيلي المتطرف، ليس لإعادة تكرار سيناريو قطاع غزة في الجنوب اللبناني فحسب، بل وقضم لبنان بأكمله قضماً. وهذا ما يتم غرسه في الأجيال الإسرائيلية الجديدة، حيث تجري عملية «صهينة» للأطفال في المراحل التعليمية الأولى، من خلال كتاب بعنوان ( ألون ولبنان)، يعزز حلم احتلال لبنان في عقول الصغار، من تأليف الصهيوني عاموس عزريا- المحاضر في جامعة أرئيل بالضفة الغربية-. وحتى الحاخامات أنفسهم، ومنهم يتسحاق غنزنبورغ، وهو كبير حاخامي الحاسيديم - حركة روحانية اجتماعية يهودية نشأت في القرن السابع عشر- يقول: إن لبنان جزء من أرض إسرائيل الممنوحة لبني إسرائيل وحان وقت استيطانه. لذا تروج الشركات العقارية الصهيونية، لإغراء الصهاينة بالإقبال على المستوطنات في «الأراضي الموعودة» بالجنوب اللبناني.

وهكذا تحاول الصهيونية الإسرائيلية توظيف سرديات خلق الأساطير والأكاذيب، لغسل الأدمغة، وتغييب العقول، من أجل تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي، وإعادة تشكيل الأرض في الجنوب اللبناني، باعتباره امتداداً طبيعياً لحقهم التاريخي في «الأرض الموعودة»، وبما يخدم المشروع الصهيوني- المزعوم -. وما عمليات القصف المكثفة، التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني على جنوب لبنان، إلا محاولة للانتقام من بيئة المقاومة، وإثارة الهلع والرعب في قلوب اللبنانيين، فيما يشبه «الحرب النفسية»، وتهجيرهم من منازلهم -على غرار ما فعل مع الفلسطينيين في قطاع غزة-، حتى يقوم الكيان الإسرائيلي بتنفيذ خطته في عمليات الاجتياح البري.

وكأن نتانياهو، لم يتعلم من درس الماضي، وفشل استراتيجيته (عام 2006م.) سواء بالتدمير، أو محاولة الاقتحام البري، لحسم المعركة أمام المقاومة الإسلامية اللبنانية حزب الله. وأنه لن يجد هناك لبنانياً واحداً سيفاوضه على التراجع عن الحدود، وقبول إلغاء القرى اللبنانية والتخوم الأمامية، وخاصة بعد أن تساقطت الأوهام الإسرائيلية، من جيش قوي، وجندي لا يقهر، وجدار عازل، ليس هذا فحسب، بل وأصبح الكيان الصهيوني، وبفعل المقاومة الفلسطينية واللبنانية يشكل عبئاً شديد التكلفة على القوى الإمبريالية الغربية، وبما فيها الولايات المتحدة الأميركية، الذي تربطه معهم علاقة نفعية لا عضوية، ويمكن للقوى العربية والإسلامية اللعب عليها، ليعيد الغرب حساباته ما بين الانحياز الأعمى للكيان الصهيوني، والمصالح الغربية مع العرب والمسلمين، فيتوقف «نتانياهو» عن القفز.Moiharby1968@yahoo.com