ماذا تعني دورات التصعيد الممنهجة التي تفتحها الرياض كل حين؟ لا نحتاج التأكيد على دور أبو ظبي المعروف، لكن هناك مسؤولية مركزية مباشرة للسعودية، فيما يجري في كل دورة تصعيد، ونلاحظ هنا أن الرياض تتجه للتصعيد الإعلامي والاجتماعي والنفسي، لكن هذا التصعيد، ووفقاً لفشله مع قطر في دورات سابقة، فهو لا يعتبر موجهاً للدوحة فقط، بل قد يكون موجهاً لمسقط والكويت أكثر.
وهذا يؤكده توظيف التسريبات الأخيرة، في حديث الوزير العماني يوسف بن علوي، والنائب الكويتي السابق، مع معمر القذافي، وحديثنا هنا عن المغزى لهذه التسريبات، في ملفات التصعيد الأخيرة.
أود أن أؤكد هنا أن خسائر الخليج العربي وشعوب المنطقة، شاملة للجميع، منذ عملية الحصار، وما صاحبته، وأن أمل الخروج من هذه الأزمة، يمثل واقعية مصلحية للجميع، كما أنها مبدأية تتفق مع الأساسات الأخلاقية والدينية والاجتماعية، والعروبية لشعوب المنطقة، لكن من يسمع النداء هنا؟
لا أحد في مركز القرار الذي بموجبه تطوى صفحة الأزمة، وهو خروج الرياض من هذه العبثية المدمرة.
نحن ندرك بالطبع أن المفاوضات السرية السابقة، قطعت شوطاً، وتناولت مواقف وتنازلات ستكون محل تنفيذ من الأطراف كافة، لكن هذه التنازلات لا تقوم على البنية السياسية المضخمة، في هيكل المطالب الثلاثة عشر في الأزمة، وإنما بسياقات الواقع اليوم، بعض هذا الواقع سيؤثر، ولو لم تحصل الأزمة الخليجية، وشاهدت قطر والكويت ومسقط، ما يجري من أحداث وتغيرات كبرى للدولة السعودية.
وربما كانت ستبادر إلى صياغة علاقة حيادية أكبر، تتخلص منها من ارتباطات مع السعودية، بعضها قد يكون ضمن رغبات سعودية سابقة، على الصعيد الثقافي الديني والسياسي الخارجي والتنظيم الاجتماعي والاقتصادي، والشعب الخليجي متداخل ومتصل بأهله في السعودية، لكن ما يجري سعودياً، فوق التصور السياسي لأي تطور، فالقفزات المتناقضة والصراع الداخلي، مخيف لكل محيطها.
والذي انهارت فيه الثقة بوضع السعودية الاستراتيجي، وبالتالي هذه الدول، وبغض النظر عن صراع السعودية معها، بعد قرار الحصار، ومستوياته، بين قطر وبين الكويت وعمان، سيدفع كل دولة لوضع خطة ابتعاد تحمي عبره مصالحها القُطرية، من أحداث سعودية قد تغير جغرافيا الخليج السياسية برمته.
إن القفز من طاولة المفاوضات فجأة، إلى التصعيد على الوسطاء ذاتهم، واستئناف الضغط عليهم، يؤكد الرسالة السلبية، للدولة السعودية الجديدة، فكيف ستتعامل معها دول الخليج الأخرى غير قطر؟
إذا كنت لا تستطيع أن توجد معادلة تفاهم، مع ماهية التغير السعودي، فطبيعي أن تتحول الدولة الشقيقة المجاورة، إلى وضع مشاريعها الاستراتيجية، للوقاية من تحولات هذه الشقيقة الكبرى، التي أسقطت التحالف النوعي الهش، الذي جمع دول الإقليم الخليجي.
ومع أنه كان تحالف هش، لكن ضَمِنَ للرياض مكانة أدبية وسياسية ومعنوية، أما اليوم فمواقف الرياض تتذبذب، ليس في فتور أو تقارب، ولكن في ذات خصومتها، أو تحفّزها ضد حياد الكويت وعُمان، إن ربط الرياض اتجاهات المعارك في ليبيا، وفشلها في اليمن، وأزمتها في قضية الشهيد جمال خاشقجي، ومعركة كسر العظم المجنونة مع الرئيس التركي، بموقفها من المحيط الشقيق القريب، هو دلالة على فقدان كامل البوصلة.
فلا توجد دولة إقليمية كبرى، تفجر مياهها الراكدة، داخل منظومتها الجغرافيا اللصيقة، بناء على توترها البعيد، على العكس، فعادة تسعى الدول في أزماتها، إلى كسب المحيط القريب أولاً، أو تأكيد خصوصية علاقتها مع هذا المحيط، الذي سيبادر لطمأنة الدولة الكبرى، وإن اختلفت سياسته الخارجية معها.
وما تقوم به الرياض هو العكس تماما، فكيف ستنظر الكويت ومسقط، لتهديدات الرياض الضمنية، لهما كوسطاء، وهل هناك أي وعي بأن تكرار هذا الاستفزاز، يُسقط الحل الخليجي، ويرفع الملف للتدويل، والتدخل الأوسع، لا يبدو أن الرياض تعي مثل هذه التحديات.
إن مشكلة السعودية اليوم، هي أنها لا تستفيد من كل دروس الفشل الأخيرة، فرفضك الفرص اليوم، يعني وقوعك في حفرة أعمق غداً، كنتَ قد خططتها لأخيك، فغاصت قدماك في وحلها.بقلم: مهنا الحبيل
وهذا يؤكده توظيف التسريبات الأخيرة، في حديث الوزير العماني يوسف بن علوي، والنائب الكويتي السابق، مع معمر القذافي، وحديثنا هنا عن المغزى لهذه التسريبات، في ملفات التصعيد الأخيرة.
أود أن أؤكد هنا أن خسائر الخليج العربي وشعوب المنطقة، شاملة للجميع، منذ عملية الحصار، وما صاحبته، وأن أمل الخروج من هذه الأزمة، يمثل واقعية مصلحية للجميع، كما أنها مبدأية تتفق مع الأساسات الأخلاقية والدينية والاجتماعية، والعروبية لشعوب المنطقة، لكن من يسمع النداء هنا؟
لا أحد في مركز القرار الذي بموجبه تطوى صفحة الأزمة، وهو خروج الرياض من هذه العبثية المدمرة.
نحن ندرك بالطبع أن المفاوضات السرية السابقة، قطعت شوطاً، وتناولت مواقف وتنازلات ستكون محل تنفيذ من الأطراف كافة، لكن هذه التنازلات لا تقوم على البنية السياسية المضخمة، في هيكل المطالب الثلاثة عشر في الأزمة، وإنما بسياقات الواقع اليوم، بعض هذا الواقع سيؤثر، ولو لم تحصل الأزمة الخليجية، وشاهدت قطر والكويت ومسقط، ما يجري من أحداث وتغيرات كبرى للدولة السعودية.
وربما كانت ستبادر إلى صياغة علاقة حيادية أكبر، تتخلص منها من ارتباطات مع السعودية، بعضها قد يكون ضمن رغبات سعودية سابقة، على الصعيد الثقافي الديني والسياسي الخارجي والتنظيم الاجتماعي والاقتصادي، والشعب الخليجي متداخل ومتصل بأهله في السعودية، لكن ما يجري سعودياً، فوق التصور السياسي لأي تطور، فالقفزات المتناقضة والصراع الداخلي، مخيف لكل محيطها.
والذي انهارت فيه الثقة بوضع السعودية الاستراتيجي، وبالتالي هذه الدول، وبغض النظر عن صراع السعودية معها، بعد قرار الحصار، ومستوياته، بين قطر وبين الكويت وعمان، سيدفع كل دولة لوضع خطة ابتعاد تحمي عبره مصالحها القُطرية، من أحداث سعودية قد تغير جغرافيا الخليج السياسية برمته.
إن القفز من طاولة المفاوضات فجأة، إلى التصعيد على الوسطاء ذاتهم، واستئناف الضغط عليهم، يؤكد الرسالة السلبية، للدولة السعودية الجديدة، فكيف ستتعامل معها دول الخليج الأخرى غير قطر؟
إذا كنت لا تستطيع أن توجد معادلة تفاهم، مع ماهية التغير السعودي، فطبيعي أن تتحول الدولة الشقيقة المجاورة، إلى وضع مشاريعها الاستراتيجية، للوقاية من تحولات هذه الشقيقة الكبرى، التي أسقطت التحالف النوعي الهش، الذي جمع دول الإقليم الخليجي.
ومع أنه كان تحالف هش، لكن ضَمِنَ للرياض مكانة أدبية وسياسية ومعنوية، أما اليوم فمواقف الرياض تتذبذب، ليس في فتور أو تقارب، ولكن في ذات خصومتها، أو تحفّزها ضد حياد الكويت وعُمان، إن ربط الرياض اتجاهات المعارك في ليبيا، وفشلها في اليمن، وأزمتها في قضية الشهيد جمال خاشقجي، ومعركة كسر العظم المجنونة مع الرئيس التركي، بموقفها من المحيط الشقيق القريب، هو دلالة على فقدان كامل البوصلة.
فلا توجد دولة إقليمية كبرى، تفجر مياهها الراكدة، داخل منظومتها الجغرافيا اللصيقة، بناء على توترها البعيد، على العكس، فعادة تسعى الدول في أزماتها، إلى كسب المحيط القريب أولاً، أو تأكيد خصوصية علاقتها مع هذا المحيط، الذي سيبادر لطمأنة الدولة الكبرى، وإن اختلفت سياسته الخارجية معها.
وما تقوم به الرياض هو العكس تماما، فكيف ستنظر الكويت ومسقط، لتهديدات الرياض الضمنية، لهما كوسطاء، وهل هناك أي وعي بأن تكرار هذا الاستفزاز، يُسقط الحل الخليجي، ويرفع الملف للتدويل، والتدخل الأوسع، لا يبدو أن الرياض تعي مثل هذه التحديات.
إن مشكلة السعودية اليوم، هي أنها لا تستفيد من كل دروس الفشل الأخيرة، فرفضك الفرص اليوم، يعني وقوعك في حفرة أعمق غداً، كنتَ قد خططتها لأخيك، فغاصت قدماك في وحلها.بقلم: مهنا الحبيل