كانتْ القبيلةُ في الجاهلية إذا بُشِّرتْ بميلادِ شاعرٍ فيها أضرمتْ النارَ في مضاربِها ثلاث ليالٍ احتفاءً، فالشاعرُ في ذلك الوقت هو وزارة إعلام القبيلة! وعن الشِّعر قالوا: كان العرب ولم يكُن لهم من علمٍ غيره! وهذا من بابِ بيانِ سطوةِ الشِّعرِ، وأهميتِه، وشغفِهم به، وإلا فقد عُرف فيهم الطب، والاستدلال بالنجوم للمسير، واتِّباع الأثر، وكثير من الذكاء والفراسة!
ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعرفُ منزِلَةَ الشِّعرِ في العرب، وأنَّ المعركة مع قُريش ليستْ معركة سيوف فقط، قال: اهجوا قريشاً، فإنه أشدُّ عليهم من رشقِ النّبلِِ!
فأرسلَ إلى عبد الله بن رواحة، وقال له: اهجُهُم!
فهجاهم، ولكن هجاءه لم يُرضِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
فأرسلَ إلى كعب بن مالك، فلم يجِد شِعره يفي بالغرض!
ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخلَ عليه قال حسان عن نفسه: قد آن لكم أن تُرسلوا إلى الأسدِ الضاربِ بِلِسانه! ثم قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي بعثكَ بالحقِّ لأفرينَّهم بلساني فريَ الأديم!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تعجَلْ، فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قُريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسباً حتى يُلخِّصَ لكَ نسبي!
فذهبَ حسانُ إلى أبي بكر، ثم رجعَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله، قد لخَّصَ لي أبو بكر نسَبَكَ، لأسُلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين!
فهجاهم حسَّان، ورضيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هجاءه، وقال له مُشجعاً: اهجُهُم وروح القُدس معك!
الشَّاهد في القصة أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على عدائه مع قُريش، لم يهُن عنده نسبه وقرابته ورحمه، ورغم أنَّ القضيةَ كفرٌ وإيمانٌ حيث لا مُواربة ولا مُجاملة، إلا أن الأصيلَ لا يَذُمُّ عرضَه، ولا يهجو رحمَه، إنما يهجو الفكرةَ المشركةّ، والنهجَ الأعوج! وسبب قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّ لي فيهم نسباً، هو أن الذي هجاه هو ابن عمه أبو سُفيان بن الحارث بن عبد المُطلب، فخشيَ أن يطال هجاء حسان عمّه، وجده، وأرحامه، وكان حسَّان على قدر المسؤولية والإبداع!
في قضيةِ الشركِ والإيمانِ لم يهُنْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نسبه ورحمه، ونحن اليوم نجد أن العائلة إذا اختلف أفرادها على شيءٍ من الدنيا نشروا أعراض بعضهم البعض بين الناس، وفي مواقعِ التواصلِ، وفجروا في الخصومة، وتناولوا الأحياء والأموات دون أدنى وازعٍ من ضميرٍ ولا أخلاق!
أن يُطالِبَ الإنسان بحقه شيء، وأن يكون بذيئاً، قليلَ أصلٍ وأخلاقٍ ودينٍ شيءٌ آخر، إن الغاية لا تُبرر الوسيلة، نحن أُمَّةُ الأخلاقِ، وفي ديننا طُهر الغاية تُحتم البحث عن طهر الوسيلة!بقلم: أدهم شرقاوي
ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعرفُ منزِلَةَ الشِّعرِ في العرب، وأنَّ المعركة مع قُريش ليستْ معركة سيوف فقط، قال: اهجوا قريشاً، فإنه أشدُّ عليهم من رشقِ النّبلِِ!
فأرسلَ إلى عبد الله بن رواحة، وقال له: اهجُهُم!
فهجاهم، ولكن هجاءه لم يُرضِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
فأرسلَ إلى كعب بن مالك، فلم يجِد شِعره يفي بالغرض!
ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخلَ عليه قال حسان عن نفسه: قد آن لكم أن تُرسلوا إلى الأسدِ الضاربِ بِلِسانه! ثم قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي بعثكَ بالحقِّ لأفرينَّهم بلساني فريَ الأديم!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تعجَلْ، فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قُريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسباً حتى يُلخِّصَ لكَ نسبي!
فذهبَ حسانُ إلى أبي بكر، ثم رجعَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله، قد لخَّصَ لي أبو بكر نسَبَكَ، لأسُلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين!
فهجاهم حسَّان، ورضيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هجاءه، وقال له مُشجعاً: اهجُهُم وروح القُدس معك!
الشَّاهد في القصة أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على عدائه مع قُريش، لم يهُن عنده نسبه وقرابته ورحمه، ورغم أنَّ القضيةَ كفرٌ وإيمانٌ حيث لا مُواربة ولا مُجاملة، إلا أن الأصيلَ لا يَذُمُّ عرضَه، ولا يهجو رحمَه، إنما يهجو الفكرةَ المشركةّ، والنهجَ الأعوج! وسبب قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّ لي فيهم نسباً، هو أن الذي هجاه هو ابن عمه أبو سُفيان بن الحارث بن عبد المُطلب، فخشيَ أن يطال هجاء حسان عمّه، وجده، وأرحامه، وكان حسَّان على قدر المسؤولية والإبداع!
في قضيةِ الشركِ والإيمانِ لم يهُنْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نسبه ورحمه، ونحن اليوم نجد أن العائلة إذا اختلف أفرادها على شيءٍ من الدنيا نشروا أعراض بعضهم البعض بين الناس، وفي مواقعِ التواصلِ، وفجروا في الخصومة، وتناولوا الأحياء والأموات دون أدنى وازعٍ من ضميرٍ ولا أخلاق!
أن يُطالِبَ الإنسان بحقه شيء، وأن يكون بذيئاً، قليلَ أصلٍ وأخلاقٍ ودينٍ شيءٌ آخر، إن الغاية لا تُبرر الوسيلة، نحن أُمَّةُ الأخلاقِ، وفي ديننا طُهر الغاية تُحتم البحث عن طهر الوسيلة!بقلم: أدهم شرقاوي