أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، (الأربعاء)، عزمه تعيين رائد التكنولوجيا ورجل الأعمال الشهير إيلون ماسك ضمن إدارته المقبلة، حيث سيتولى قيادة ما أطلق عليه «وزارة كفاءة الحكومة» (DOGE).

ومع إعلان ترامب هذا الخبر عبر بيان ارتفع سعر عملة «دوغ» المشفرة، التي يعتبرها ماسك عملته المفضلة بنحو 15 بالمائة خلال ساعات.

غير أن هذا الارتفاع ربما لا يمثل شيئا بشأن تأثيرات تلك الخطوة المرتقبة داخل الولايات المتحدة وخارجها، فالنظرة الفاحصة لما ورد بين السطور في بيان ترامب يقدم دلائل على دور كبير ومهيمن لماسك في الإدارة الأميركية، لا ينحصر في مجرد قيادته لإحدى الوزارات.

تفاصيل عمل الوزارة المقترحة

في بيانه، قال ترامب: «يسعدني أن أعلن أن إيلون ماسك سيتولى قيادة وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، بالتعاون مع الوطني الأميركي فيفيك راماسوامي».

وراماسوامي، رجل أعمال أميركي وسياسي، ويعد من الشخصيات البارزة في عالم التكنولوجيا الحيوية والاستثمار.

ويدعو راماسوامي، إلى تقليل دور الحكومة في الاقتصاد، ويركز على أهمية الحرية الاقتصادية ودور الشركات في دعم مصالح الشعب الأميركي.

وأضاف ترامب: «معًا، سيشق هذان الأميركيان الرائعان (ماسك وراماسوامي) الطريق لإدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وتبسيط الأنظمة، وخفض النفقات المهدرة، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، وهي خطوة ضرورية لحركة (إنقاذ أميركا)».

و«إنقاذ أميركا» حركة سياسية واجتماعية نشأت في الولايات المتحدة كجزء من دعم سياسات المحافظة والشعبوية، وارتبطت بشكل وثيق برؤية ترامب وسياساته.

وتهدف الحركة إلى التركيز على المصالح الأميركية من خلال مكافحة الفساد، وإصلاح المؤسسات الحكومية، وتعزيز الحدود والسيادة، ودعم الحرية الاقتصادية، بالإضافة إلى مواجهة التيارات الليبرالية التي يعتبرها المؤيدون لها تهديدا للقيم الأميركية.

واعتبر ترامب أن الإعلان عن وزارة الكفاءة الحكومية «سيرسل صدمات في جميع أرجاء النظام بالولايات المتحدة، خاصة لكل من يساهم في الهدر الحكومي، وهم كُثر!»، وفق قوله.

وتحدث ترامب عن الوزارة الجديدة، معتبرا أنها «ستصبح بمثابة مشروع مانهاتن» في عصرنا الحالي؛ «فقد حلم السياسيون الجمهوريون بأهداف DOGE لفترة طويلة».

ومشروع مانهاتن هو مشروع علمي وعسكري أميركي سري بدأ في عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية لتطوير أول قنبلة نووية في العالم.

وتابع ترامب: «لدفع هذا التغيير الجذري، ستوفر وزارة كفاءة الحكومة النصيحة والإرشاد من خارج الحكومة، وستعمل مع البيت الأبيض ومكتب الإدارة والميزانية لدفع إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وإنشاء نهج ريادي في الحكومة لم يُرَ مثله من قبل».

وأعرب عن تطلعه لأن «يُجري إيلون وفيفيك تغييرات في البيروقراطية الفيدرالية، مع التركيز على الكفاءة، وجعل الحياة أفضل لجميع الأميركيين».

وأشار إلى أن الأهم هو القضاء على الهدر الهائل والاحتيال الموجود في إنفاق الحكومة السنوي البالغ 6.5 تريليون دولار.

واستطرد: «سيعمل ماسك وراماسوامي معا لتحرير اقتصادنا، وجعل الحكومة الأميركية مسؤولة أمام (نحن الشعب)»، في إشارة إلى عبارة «We the People»، التي تستهل ديباجة الدستور الأميركي؛ مما يعني أن الإدارة ستعمل لخدمة المواطنين الأميركيين وتلبية احتياجاتهم، وليس العكس.

وأوضح ترامب أن مهمة ماسك وراماسوامي ستنتهي في موعد أقصاه 4 يوليو/ تموز 2026، بإعلان «حكومة أصغر، وأكثر كفاءة، وبيروقراطية أقل».

واعتبر أن هذه الحكومة ستكون «الهدية المثالية لأميركا في الذكرى الـ250 لإعلان الاستقلال»، معربا عن ثقته في نجاحهما.

نقطة الانطلاقة

وطرح ماسك، «وزارة كفاءة الحكومة» كفكرة خلال محادثة مع ترامب في أغسطس/ آب الماضي، تم بثها مباشرة على منصة «إكس» المملوكة له، حيث اقترح تشكيل لجنة لضمان إنفاق «أموال دافعي الضرائب بشكل جيد».

وأعرب حينها عن استعداده للخدمة «دون أجر أو لقب أو اعتراف»، مؤكدا رغبته في إصلاح «الهدر واللوائح غير الضرورية في الحكومة».

ولاحقا، أبدى ترامب دعمه لمقترح ماسك، وروج له بكثافة خلال فترة حملته الانتخابية.

إذ أعلن ترامب، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنه سيطلق لجنة كفاءة حكومية مكلفة بإجراء «تدقيق مالي وأدائي كامل للحكومة الفيدرالية».

وقال ترامب، أمام شخصيات من دوائر المال والأعمال في نيويورك آنذاك، إن ماسك الذي اقترح الفكرة، سيشرف على «مراجعة كاملة للحسابات المالية والأداء للحكومة الفيدرالية بأكملها» في إدارته الثانية في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية.

فيما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر مطلعة (لم تسمها) أن خطط ماسك تسعى إلى إحداث تغيير في الإنفاق الحكومي، وخفض ما لا يقل عن 2 تريليون دولار من الميزانية الفيدرالية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الوكالات الحكومية، فضلا على تقليص ما يعتبره «البيروقراطية غير الضرورية».

وربما يكون للاسم المختار لهذه الوزارة رمزية خاصة تجسد طيفا واسعا من الرموز الثقافية والتاريخية؛ فالاسم «DOGE» يمثل الأحرف الأولى من وزارة كفاءة الحكومة Department of GOvernment Efficiency.

لكنه في الوقت ذاته يحمل معاني أخرى متعددة؛ إذ يشير إلى لقب تاريخي كان يُمنح لرؤساء الدولة في مدن إيطالية مثل البندقية وجنوة، حيث كان الـ«دوغ» رمزًا للحكم والقوة.

كما أصبحت كلمة «دوغ» رمزا شهيرا في عالم الإنترنت من خلال ميم «دوغ»، الذي يُظهر كلبا من نوع «شيبا إينو» بعبارات طريفة، والذي أصبح لاحقا رمزا لعملة مشفرة تُعرف باسم «دوغ كوين».

تأثيرات داخلية وخارجية

ويثير الدور المقترح لماسك، في الإدارة الأميركية المقبلة مخاوف جدية من تضارب المصالح، حسبما ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية في تقرير لها.

وأوضحت الصحيفة أن شركات ماسك الست متشابكة بعمق مع الوكالات الفيدرالية، وتجني مليارات الدولارات سنويا من عقود إطلاق الصواريخ، وتستفيد من بناء الأقمار الصناعية وخدمات الاتصالات الفضائية.

في المقابل، ينظر بعض المراقبين بتفاؤل إلى خطوة تعيين ماسك لقيادة «وزارة كفاءة الحكومة»، معتبرين ذلك توجها غير تقليدي في الإدارة الأميركية المقبلة بقيادة ترامب.

إذ من المتوقع، وفقهم، أن تؤثر هذه الخطوة على مستويات متعددة داخل الولايات المتحدة وخارجها.

فداخليا، يمكن أن تعكس محاولة جادة لتقليل البيروقراطية الحكومية وتوجيه الاقتصاد نحو كفاءة أعلى، من خلال تبني أساليب القطاع الخاص وريادة الأعمال التي يمثلها ماسك، مثل التركيز على الابتكار، والتحول الرقمي، والحد من الهدر المالي.

وهذه التحركات قد تحفز قطاع الأعمال وتعيد توجيه الموارد نحو مشاريع بناءة أكثر، ما سيخلق بيئة اقتصادية أكثر تنافسية داخل الولايات المتحدة.

على الصعيد الدولي، من الممكن أن تكون لهذه الخطوة تأثيرات مهمة، حيث قد يتبعها تغيير في العلاقات الاقتصادية والسياسية الأميركية مع العالم، لا سيما إذا استطاعت الإدارة الأميركية تحقيق قدر أكبر من الكفاءة وتقليل الإنفاق الهائل على البيروقراطية.

كما أن دول العالم ستتابع هذه الخطوة عن كثب لمعرفة ما إذا كانت ستعزز من قوة أميركا الاقتصادية ومكانتها كوجهة استثمارية جذابة.

وبناءً على نتائجها، يمكن أن يكون النهج الأميركي الجديد مصدر إلهام للدول الأخرى لإعادة النظر في نظمها البيروقراطية، ومحاولة تبني نماذج أكثر مرونة وإبداعية.

علاقة ترامب وماسك

وفي تحول لافت لعلاقتهما التي شهدت توترات في الماضي، تعززت بشكل كبير الروابط بين ماسك وترامب على مدى الأشهر الأخيرة؛ لتصبح أكثر من مجرد علاقة عمل أو مصالح مشتركة.

إذ تتجلى هذه العلاقة في الدعم المتبادل بين الطرفين، حيث يثني ترامب على رؤية ماسك التكنولوجية، بينما يقدم ماسك دعمه لسياسات ترامب في مجالات تتعلق بالتطوير الاقتصادي وتبسيط البيروقراطية.

وفي هذا الصدد، كان لافتا خلال الحملة الانتخابية لترامب الحضور الكبير لماسك الذي رمى بثقله المالي والإعلامي وراء المرشح الجمهوري، وبرز كأحد أكبر داعميه وحلفائه الأساسيين.

فقد لعب ماسك، أغنى رجل في العالم، دورا رئيسيا في حملة الجمهوريين، إذ أنفق أكثر من 110 ملايين دولار من ثروته الشخصية لدعم حملة ترامب، ونظم أيضا سلسلة من اللقاءات الانتخابية في ولاية بنسلفانيا «المتأرجحة» التي شهدت منافسة محتدمة، وفق موقع قناة الحرة الأميركية.

ووصل التقارب بين الرجلين إلى ذروته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما ظهر ماسك في تجمع انتخابي لترامب في بنسلفانيا، مرتديا قبعة «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وخلاله أعلن ماسك أن فوز ترامب ضروري «للحفاظ على الدستور والديمقراطية في أميركا».

ويتماشى تأثير ماسك على عالم الأعمال والتكنولوجيا مع توجهات ترامب لخلق اقتصاد أكثر ابتكارًا واستقلالية.

هذه الديناميكية المتبادلة بين الاثنين تثير اهتمام الأوساط السياسية، لا سيما أن كلاهما يُعتبر من الشخصيات المؤثرة في مجاله.