استكمالاً لما كتبته في مقال الأسبوع الماضي عن الفروقات بين الشخصيات العملية والعاطفية، نستطيع أن نلاحظ أن ربة المنزل العملية تطبخ بطريقة الـ «ني في ني» سواء محشي أو سواه، فلا طاقة لها ولا وقت أوشغف يجعلها تهدر عمرها في تسبيك الطعام أو تزينه، وقد تكون تلك الطريقة أطيب في الطبخ، إلا أنها لا تلجأ إليها لإضافة لذة للوجبة، بقدر ما ترى فائدة في اختصار الوقت والجهد.
في المقابل، تجرب الشخصية الرومانسية عشرات الطرق لطبخة واحدة، فقد تصنع وصفة واحدة بطريقة الـ «ني في ني» أو التسبيك والطبخ على البخار، كما تجرب استخدام جميع الأواني الفخارية أو أواني الضغط أو سواها بحثا عن مذاق معين في مخيلتها.
البخيل يطبخ مسلوقا أو يُطبخ له، وأثناء تناول الطعام يبكت محيطه حول الثمن الذي دفعه في الخضر وما استهلكه من غاز.
الأخ العملي يضع ضيفه في مقعد مقابل لباب منزله ليحفزه على الانصراف، ولا يستمسك بضيفه إلا بتظاهر شكلي ممج، وإن فعل ذلك بلسانه فهو أحرص على أن تسانده الإيعازات الجسدية من باقي جوارحه على الإنكار، فيلجأ للتثاؤب والتثاقل وتجنب التقاء الأعين، وقد لا يتورع عن مطالعة ساعته كرسالة للضيف أن «ارحل».
وفي المقابل، يغلق الرومانسي باب بيته بالمفتاح على الضيف وإن كان تعبًا، لكن المفارقة أنه لو كان حزينا فقد يمتنع عن استقبال الضيوف من الأساس رغم أنه لا ينكر وجوده. أما البخيل فلا يستاء من بقاء الزائر فترة طويلة، كونه لن يجهد نفسه أو ميزانيته في ضيافته، عدا كونه غير معني بأهمية الوقت.
الشخصيات العملية إيجابية بطبعها ويعنيها الربح الجماعي، ولا يسيئها مكسب الشريك، فهم يدركون أن نجاحهم مرتبط بالخدمات التي يقدمونها للآخرين، لذا فهم من أنجح خلق الله في أعمال التسويق وتحقيق المبيعات، عكس البخيل الذي يعنيه الانفراد بالملعب، فالشحيح أناني ويرى في مكسب سواه خسارة له، أما العملي فأفقه متسع لتحقيق المكسب للجميع، ويدرك أنه لن يربح منفردًا
Win- Win situation is a fertile ground for successful business. وفي النهاية، فإن أخانا الرومانسي غير معني بتحقيق مكاسب مادية، بل يتقبل الخسارة المادية بصدر رحب، وقد يضحك من خيبته.
العملي يهادن، يسايس، يقايض ويصالح، كما أنه تعنيه هبرة اللحم، أما البخيل فلا يصالح ولا يقايض، لكن يتصالح بعظمة أو خشية ضياع العظمة! فيما مشكلة الرومانسي أنه يصالح أو يقبل الصلح لدواع نفسية، فهو معني بقيمته المعنوية أكثر من أي مكسب مادي، لذا فلا يهادن أو يسايس، لكن قد يقايض مازحًا، ولا يعنيه اللحم أو العظم ولكنه يثمن قطعة السمين الذي يطيب نسيرة اللحم.
جدير بالذكر أن الشخصية العملية تدخل في العلاقات بلا توغل، فهي تحسب حساب المسافات بل تحسب كل خطوة، ولا تتواصل إلا بطريقة شعرة معاوية، فهي حريصة على إغاثة علاقة لو شعرت أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكن لو ضمنت الصديق فنادرا ما تتواصل معه، فكما قلنا هي شخصية غير مجاملة، لكن ترد المجاملة في حدود، هي شخصيات أقرب لفنان يحافظ على علاقته بالأجهزة السيادية، يحتاج لسيطها وسطوتها، لكن ما الداعي ليرتبط بها عاطفيا، أي سفه هذا؟
وفي المقابل، فإن الأخ الرومانسي يستمتع بالعلاقات الإنسانية ويتأثر سلبا وإيجابا بها، ويعمل على تجديل تلك العلاقة بهدية، باتصال، بدعوة، باهتمام، بمبادرة، بسؤال، بمفاجأة، بربتة كتف، بغمرة، إلا أنه لا يقبل أن يعامل كصديق البطل، وقادر على بتر العلاقة لو شعر بالهوان، في حين أن البخيل لا يتألم البتة من قطع العلاقات ولا يفرح بعمقها، فارتباطه بمحيطه ارتباط مصلحة وجهاز استقباله وإرساله معطل تماما، ولا يعنيه كسب علاقات اجتماعية أو خسارتها طالما لم يمس أحد جيبه.