كان على عهدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلٌ اسمه عبد الله وكان يُلقَّبُ حِماراً، وكان خفيف الدَّم حُلو الدُّعابة، يُضحِكُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلِّم بين الفينةِ والأُخرى إذا التقيا.
وكان عبد اللهِ مُبتلى بشربِ الخمر، فجلدَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم إنه شرِبَ مرةً أخرى، فجِيء به إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمر بجلده، فقال رجلٌ من الحضور: اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتى به!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تلعنوه، فواللهِ ما علمتُ إلا أنه يُحبُّ الله ورسوله!
إنَّ المعاصيَ أمراضُ الأرواح تماماً كما أنَّ الآفاتِ أمراضُ الأجسام، وكما ننظرُ إلى مريضِ الجسدِ بعين الشفقة والتعاطف ثم نُردد: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه، علينا أن ننظرَ إلى ذنوب الناس كأننا عباد لا كأننا أرباب، وعلينا أن نُشفقَ عليهم، ونحمدَ الله على العافية، وأنه عصمَنا مما وقعوا هم به، فواللهِ ما استقامَ أحدٌ بقوته ولكن العاصِمَ الله! ثُمَّ إن لكلٍّ منا معاصٍ لم تظهر للناسِ لأنَّ الله سترها علينا، فمن أدب المستور أن لا يَفضح كي لا يرفع الله ستره عنه، لأن الجزاء من جنس العمل!
هذا الكلام ليس تبريراً للمعاصي، ولا حثٌّ على ارتكابِها والاستهانةِ بها، وإنَّما لتغييرِ النظرة إلى أهل الذنوب من المُسلمين! في كل إنسان بذرة خير، فلا تحملوا مفاتيح الجنة والنار!
نعم الحجاب فريضة، ولكن من قال لكَ أن التي لا تتحجَّب لا تصوم ولا تُصلي، ولا تقرأ القرآن، كلنا نعرف فتيات لسنَ مُحجَّبات ولا ينقصهُنَّ من الإسلام إلا الحِجاب، هؤلاء علينا أن نأخذَ بأيديهن إلى الله، باللُّطفِ واللينِ والكلمةِ الطيبة.
نعم الصلاةُ عمود الدين، ورأسُ الأمر، وهي أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة، ولكننا جميعاً نعرف شخصاً لا يُصلي، ولكنه إذا أساء أحدٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حضرتِه لأقامَ الدنيا ولم يُقعدها دفاعاً عنه وحباً له، مثل هذا لا يُقال له أنَّ محبتك كاذبة، لو كنتَ تُحبه لأطعْتَه وصليت، هذا يُقال له ما أجمل حبك للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلو توَّجْتَ هذا الحُب بالصلاة!
الذي تغلبُه شهوته ليس كافراً، هو إنسانٌ مُبتلى، زيَّن له الشيطان عمله، فخُذوا بيده إلى الله، بدل أن تُعينوا الشيطان عليه، ما يجلب الناس إلى الله أكثر من اللِّينِ، وحُسنِ الدعوة، ولطيفِ الكلام.
والتي تتزيَّنُ وتتعطَّرُ وتخرجُ ليستْ كافرة، كل ما في الأمر أنَّها مُبتلاة، للمرأة غريزة أن تبدو جميلة، وظنٌّ ضعيفٌ أنَّ هذا يجلبُ الزَّوج! تخيَّل أن تُهديها أنتَ مُصحفاً أو سُبحة، أو تُحدثها زميلة دراسة أن هذا الجمال لو زيَّنه الحجاب، وأن الزوج رزق من عند الله، ورزق الله لا يُطلب إلا بطاعته، كلمة طيبة مرة، ومُحاضرة رقيقة مرة أخرى، بحُسنِ البيان، ولُطفِ الأخلاق، يفتح الله قلوب الناس!
لا يُوجد ذنب أعظم من الشِّرك، ومع هذا قال الله تعالى لنبيِّه: «ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» لقد أثنى على لينِه ورقةِ قلبِه تجاه المُشركين، أليسَ المُسلمون أوْلى منا بهذا اللِّينِ وهذه الرِّقة!
فرعون لم يكُن مُشركاً فحسب، لقد قال «أنا ربكم الأعلى» ومع هذا بعثَ الله سبحانه إليه موسى عليه السلام ليقول له قولاً ليناً، فإذا كان هذا حال الدُّعاة مع من قال «أنا ربكم الأعلى»، فكيف يجب أن تكون حالهم مع الذين يقولون: سُبحان ربيَ الأعلى!
بقلم: أدهم شرقاوي