إن العلاقات البشرية ضرورة لا غِنى عنها في حياة كل إنسان، وهي أشبه بالبهارات التي لا يكتمل طعم الحياة من دونها. وبقدر ما نكوّن صلات مع الناس من حولنا، ننمو وننضج فكريّاً وروحيّاً، ونكتسب العديد من الخبرات والمهارات الأساسية المهمة على الصعيدين الشخصي والمهني.
منذ عهد الطفولة يبدأ الطفل في محاولة الاندماج مع الوسط الخارجي وتأسيس علاقات مع أقرانه من الصغار، إلى جانب اندماجه مع أفراد أسرته وأقاربه على اختلاف أعمارهم. وهو بذلك يلبي حاجة ملحة من حاجات الإنسان، ألا وهي الارتباط بالآخرين والشعور بتقدير الذات وبأنه ليس وحيداً في هذا الكون.
وإذا كان هناك من يشكك في ضرورة العلاقات الإنسانية، فها هو ذا عالم الحيوان الذي وإن كان أقل مرتبة من عالم البشر من حيث القدرات الذهنية والروحية، إلا أن تلك الكائنات التي تشاركنا كوكب الأرض لا تحيا فرادى، بل ضمن مجموعات مع بعضها البعض، كما تفعل الطيور عندما تطير في أسراب، وقطعان الغزلان التي تسير جنباً إلى جنب، وحتى الحيوانات المفترسة كالنمور والأسود تقضي معظم حياتها مع أقرانها الذين تتشارك وإياهم الصيد والطعام وغير ذلك.
فلا غرابة إذن أن يكون الإنسان وهو أرقى كائن حي على وجه الأرض بحاجة إلى تكوين صلات بأقرانه من البشر، فذلك جزء من الطبيعة البشرية وحق من حقوقه. لذلك قامت المجتمعات والحضارات على اختلافها لتكون تجسيداً لحاجة الفرد إلى تشارك الحياة بكل تفاصيلها مع الآخرين.
وبعد مرحلة الطفولة تأتي المراهقة ثم سن الرشد، وخلال كل تلك المراحل يختلط الفرد بغيره من الناس لتربطه ببعضهم علاقة حب أو صداقة. أحياناً نكون نحن من نبادر إلى كسب محبة أحدهم أو صداقته، وأحياناً أخرى يكون الآخرون هم السباقون إلى ذلك. لكن في جميع الأحوال، ينتهي بنا المآل إلى الارتباط بشريك معين، وكسب أصدقاء ومعارف يرافقوننا على امتداد سنوات طويلة من حياتنا.
ربما يبدو أن الاختلاط بالغير أشبه بجنة من السعادة، لكن كما أن الحياة فيها الخير والشر، لا تخلو العلاقات الإنسانية من المنغصات ومن الاختيارات الخاطئة. فكثيراً ما يخطئ الكثيرون في انتقاء شركاء حياتهم أو أصدقائهم، فيعطي الشخص أهمية وقيمة للطرف المقابل، ليكتشف بعد حين فداحة ما فعله.
ولأن التاريخ يحب أن يعيد نفسه على الدوام، نشهد كل يوم علاقات صداقة تنتهي، وعلاقات حب تندثر، كل ذلك لأن أصحابها أعطوا لشركائهم قيمة أكثر مما يستحقون. إن حسن اختيارك لمن تحب أو تصادق أمر غاية في الأهمية، والأهم منه ألا تعطي شخصاً أهمية ليس جديراً بها.
ليس كل إنسان جديراً بأن يكون صديقاً حقيقيّاً لك، فقط من تجده قربك كلما احتجته، ومن يشجعك ويساندك ويشاركك كل تفاصيل حياتك بمحبة وإخلاص. أما من يريد التسكع معك وإضاعة وقتك واقتناص الفرص على أكتافك، فذلك لا يستحق منك أن تضعه في مرتبة الصديق. ربما ترافقه ليس إلا، لكن لا تعطه أكثر من حجمه..كذلك الحال في الحب، يجب ألا نقدم مشاعرنا على طبق من ذهب لأي إنسان يصادفنا، فنغرق في بحار الهوى لمجرد أن تلك الفتاة جميلة أو ذاك الشاب وسيم، أو لغير ذلك من أسباب سطحية لا يجب أن يُبنى الحب الحقيقي عليها، بل ينبغي أن نحب الشخص المناسب الذي يشاركنا اهتماماتنا وأحلامنا أحياناً، ويتسم بأخلاق عالية في التعامل، وعلى استعداد للتضحية في سبيل نجاح العلاقة وديمومتها.
لهذا يندم كثير من الناس في مرحلة ما من حياتهم، لأنهم أعطوا شخصاً قيمة أكبر مما يستحق. ولا أحد معفي من هذا الخطأ، فكلنا خطاؤون. لكن الذكي هو من يتعلم الدرس فلا يعيد تكرار الأخطاء ذاتها مراراً وتكراراً.
عاهد نفسك منذ اليوم على ألا تتسرع بالدخول في علاقة حب أو صداقة قبل أن تتبين حقيقة الطرف الآخر بتعمق وعناية، ولا تعطِ لأي شخص بعد الآن قيمة ليس جديراً بها، حتى لا تعض أصابعك ندماً فيما بعد.