قد يكون من المفاجئ التساؤل عن جدوى الأحزاب السياسية اليوم وهو تساؤل يستمدّ مشروعيته من طبيعة أداء هذه الأحزاب في السنوات العشر التي تمثل عمر ثورات الربيع. السؤال هو التالي : هل كانت الأحزاب السياسية والتشكيلات الحزبية المرتبطة بها عاملا مساعدا في إنجاح الثورات أم لا ؟ وهل تمكنت هذه البنى السياسية من سدّ الفراغ الذي أعقب سقوط أنظمة الاستبداد ؟
الجواب شديد القسوة خاصة إذا علمنا أنّ الأحزاب السياسية في الدول التي شهدت ثورات شعبية كانت شريكا في عودة النظام القديم سواء من كان منها في السلطة أو في المعارضة. يشمل هذا الإقرار الدور الخطير الذي لعبته النخب العربية بشكل عام في إنجاح الانقلاب المصري أو في إذكاء الفوضى في أكثر من بلد عربي.
صحيح أنّ الأحزاب السياسية إفراز لصيرورة التنظّم السياسي في المنظومة الفكرية الغربية أساسا وهي بذلك جزء من مسار طويل لتطور هذه المجتمعات في علاقتها بالسلطة. صحيح أيضا أنّ الأحزاب السياسية جزء من مكوّن أساسي من مكونات العملية السياسية في الغرب سواء تعلّق الأمر بالسلطة أو بالمعارضة.
لكنّ المشهد العربي مختلف تمام الاختلاف عن المشهد الأوروبي حيث ولدت الأحزاب السياسية العربية ولادة قسرية دون أن تكون لها الحاضنة الفكرية أو الاجتماعية بل أسقطت إسقاطا على الواقع الجديد الذي صنعته القوى الاستعمارية قبل خروجها من المنطقة منتصف القرن الماضي. محصلّة المشهد العربي هي أنّ أغلب التعبيرات السياسية كانت في خدمة السلطة أو جزءا منها وأداة من أدواتها ولو تظاهرت بالمعارضة. لقد ثبت اليوم بالدليل والبرهان بعد سقوط أنظمة الواجهة الاستبدادية أن أحزاب المعارضة في مصر وتونس وسوريا تشكل في أغلبها جزءا من النظام القديم ومكونا من مكونات الدولة العميقة.
اليساريون والقوميون والليبراليون وطيف كبير من الإسلاميين اصطف إلى جانب النظام القديم وساهم بشكل كبير في انقاذه من السقوط عن قصد أو عن غير قصد. قد لا يصدق هذا القول على قلّة قليلة من التنظيمات التي كانت صادقة النوايا والأهداف لكنّ المصير الذي واجهته قبل الثورات وبعدها من الشيطنة والقتل والسجون كفيل بالإجابة عن مصير كلّ مكوّن سياسي يخرج عن دائرة نفوذ الصانع الكبير.
رغم اختلاف نظام الحكم في المنوال العربي عنه في المنوال الأوروبي إلا أنّ وجود الأحزاب السياسية يفرض أولا مناخا سياسيا مشابها للمناخ الأوروبي لكنّ الحلّ الأكثر نجاعة إنما يتمثل في ابتداع نظام حكم يكون وليد البيئة العربية بآلياته وشروطه وأهدافه في السلطة أو في المعارضة وهو ما لم نبلغه بعدُ.بقلم: محمد هنيد
الجواب شديد القسوة خاصة إذا علمنا أنّ الأحزاب السياسية في الدول التي شهدت ثورات شعبية كانت شريكا في عودة النظام القديم سواء من كان منها في السلطة أو في المعارضة. يشمل هذا الإقرار الدور الخطير الذي لعبته النخب العربية بشكل عام في إنجاح الانقلاب المصري أو في إذكاء الفوضى في أكثر من بلد عربي.
صحيح أنّ الأحزاب السياسية إفراز لصيرورة التنظّم السياسي في المنظومة الفكرية الغربية أساسا وهي بذلك جزء من مسار طويل لتطور هذه المجتمعات في علاقتها بالسلطة. صحيح أيضا أنّ الأحزاب السياسية جزء من مكوّن أساسي من مكونات العملية السياسية في الغرب سواء تعلّق الأمر بالسلطة أو بالمعارضة.
لكنّ المشهد العربي مختلف تمام الاختلاف عن المشهد الأوروبي حيث ولدت الأحزاب السياسية العربية ولادة قسرية دون أن تكون لها الحاضنة الفكرية أو الاجتماعية بل أسقطت إسقاطا على الواقع الجديد الذي صنعته القوى الاستعمارية قبل خروجها من المنطقة منتصف القرن الماضي. محصلّة المشهد العربي هي أنّ أغلب التعبيرات السياسية كانت في خدمة السلطة أو جزءا منها وأداة من أدواتها ولو تظاهرت بالمعارضة. لقد ثبت اليوم بالدليل والبرهان بعد سقوط أنظمة الواجهة الاستبدادية أن أحزاب المعارضة في مصر وتونس وسوريا تشكل في أغلبها جزءا من النظام القديم ومكونا من مكونات الدولة العميقة.
اليساريون والقوميون والليبراليون وطيف كبير من الإسلاميين اصطف إلى جانب النظام القديم وساهم بشكل كبير في انقاذه من السقوط عن قصد أو عن غير قصد. قد لا يصدق هذا القول على قلّة قليلة من التنظيمات التي كانت صادقة النوايا والأهداف لكنّ المصير الذي واجهته قبل الثورات وبعدها من الشيطنة والقتل والسجون كفيل بالإجابة عن مصير كلّ مكوّن سياسي يخرج عن دائرة نفوذ الصانع الكبير.
رغم اختلاف نظام الحكم في المنوال العربي عنه في المنوال الأوروبي إلا أنّ وجود الأحزاب السياسية يفرض أولا مناخا سياسيا مشابها للمناخ الأوروبي لكنّ الحلّ الأكثر نجاعة إنما يتمثل في ابتداع نظام حكم يكون وليد البيئة العربية بآلياته وشروطه وأهدافه في السلطة أو في المعارضة وهو ما لم نبلغه بعدُ.بقلم: محمد هنيد