+ A
A -
تخيَّلْ أن يُقال لكَ: قد قال مديرُكَ أنك موظف رائع، لا شكَّ أنك ستفرح، أما إذا قيل لكَ أن الوزير قالَ عنك أنك بارع في مجالك ومن أهل الاختصاص، فلا شكَّ أنك ستمتلئ رضىً وتفخر بنفسك! أما لو قيل لكَ أن الملكَ أو الرئيس ذكرَ اسمكَ في مجلسه لرُبما نبتتْ لكَ أجنحة وشعرتَ أنَّ هذه الدنيا كلها لا تتسع لفرحك! والآن تخيَّلْ، تخيَّلْ فقط أن يُقال لكَ إنَّ الله تعالى قد ذكرَ اسمكَ!
ما أردتُ منك أن تتخيله قد حدث لأحدهم فعلاً! استدعى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُبيَّ بن كعبٍ وقال له: إنَّ الله أمرني أن أقرأ عليكَ «لم يكن الذين كفروا».
فقال أُبيُّ: وسمَّاني لكَ؟
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: نعم، سمَّاكَ لي!
فجعلَ أُبيُّ يبكي، وكان حتى آخر لحظات عمره يقول: أنا الذي سمَّاني ربي!
لماذا أُبيُّ بن كعبٍ تحديداً وأبو بكر وعثمان وعلي أفضلُ منه؟
هذا لأن أُبيَّ بن كعبٍ كان أقرأ الصَّحابة لكتاب الله، لهذا كان من الطبيعي أن أبا بكرٍ لما أراد جمع المصحف بعد حروب الرِّدة أن يجعل أُبَيَّاً من ضمن اللجنة التي أُوكِل إليها جمعه. وعندما أراد عثمان أن يجمع القرآن الجَمعة النهائية التي هي عليها اليوم أن يجعل أُبيَّاً في لجنة جمعه!
إنَّ هذه الدنيا اختصاص بالدرجة الأولى، أبو بكر أفضل من أُبي بن كعب بالجُملة ولكن أُبيَّاً أُعطيَ حظاً من القرآن لم يُعطه أبو بكر!
وعُمر أفضل من خالد بالجُملة ولكن خالداً أعلم من عُمر بالحرب!
وعُثمان بن عفان أفضل من معاذ بن جبلٍ بالجُملة ولكنَّ مُعاذاً أعلم بالحلال والحرام من عثمان!
وعليُّ بن أبي طالب أفضل من أبي هُريرة بالجُملة ولكن أبا هريرة أكثر حفظاً للحديث من علي!
وهذا الإسلام العظيم بلغَ ذروة مجده وقوته لأنه كان يضع الرجل المناسب في مكانه المناسب، أي بحسب المجال الذي هو بارع فيه، لم يكن عند النبي شكٌّ أن أبا بكر أفضل من خالد، ولكنه وضع خالداً على رأس الجيش لأنَّ خالداً أعرفُ من أبي بكر بأُمور الحرب! وعندما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي ذر: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحبُّ لكَ ما أُحبُّ لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولَّينَ مالَ يتم! لم يَذُمَّ أبا ذرٍّ أو يتهمه في دينه، الأمر له علاقة بشخصية أبي ذر، وتركيبته النفسية وطبعه ليس إلا! فقد كان أبو ذر صاحب منطق ورأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل قوِّالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه: «ما أظلَّتِ الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ من رجل أصدق لهجةً من أبي ذر»!
إنَّ الذي يُصلي الصلوات الخمس في المسجد رجل مبارك ومحترم، ولكن هذا لا يعني أنه يصلح أن يكون وزيراً ويتولَّى شؤون العامة!
والذي يحفظُ القرآن عن ظهر قلب، رجل نقي تقي، ولكن هذا لا يعني أنه يصلحُ أن يكون قائداً للجيش!
التقوى والأخلاق والصلاح صفات مطلوبة في الناس بغض النظر عن أي منصب يتولونه، ولكن ابحثْ أولاً عن براعة الأشخاص وخبرتهم بالعمل الذي تريدُ أن تُحملهم مسؤوليته، ثم بعدها فاَضِلْ بينهم بالتقوى والصلاح والسعي إلى المساجد، أما أن يُعطى التقيُّ عملاً لا دراية له به فهو ظلم له وللناس!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
23/07/2020
4891