تفيد الأنباء الأخيرة بأن الجزائر تشعر بقلق جديد في شأن المستقبل الليبي، تزامن هذا القلق مع توتر نوعي جديد في تونس، هذا التوتر يبدو أنه قد يوحّد الرئاسة التونسية واتحاد الشغل المؤثر، مع الداعمين لرئيس الحكومة المستقيل الياس الفخفاخ، في مواجهة مبادرة الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، لإنجاز تشكيل وزراي بديل.
وقبل المضي في المأزق التونسي الجديد، نُشير إلى الرابط بين قلق الجزائر وتونس معاً، ففي الأصل كان موقف الجزائر رافضاً، لإسقاط حكومة الوفاق، وكان هناك تفاهم وارتياح لفائز السراج، يظهر في لغة التعاطي السياسية والدبلوماسية، للجزائر مع المشهد الليبي.
بخلاف موقف الرئيس التونسي قيس سعيّد، وخاصة فوضى مقترحه لاتفاق دستوري لقبائل ليبيا، ووضعه ليبيا في سياق أفغانستان، بمعنى أن الرئيس قدّم للناس تصوراً غاية في الخطورة، ربما من دون قصد، وهو ترك ليبيا إلى مصير أفغانستان، فراغ الدولة وسقوط الجسم السياسي وفتح الحرب الأهلية على مصراعيها، ثم البحث عن خيار قَبلي، رعته الولايات المتحدة الأميركية المحتلة لأفغانستان حينها.
ومن الواضح هنا حجم الخلل في التصور السياسي الدولي والإقليمي لقيس سعيد، لكن هذه ليست كل الحكاية، فالضغط العربي المتبادل بين الولاء لمحور ابوظبي ومشروعها الضخم، الذي حقق اختراقات ليست سهلة في الجسم السياسي التونسي، والجسم الإعلامي، والضغط المقابل لصالح إعلان الارتباط بتركيا، وتبني موقفها في ليبيا، ومن ثم فتح الأبواب لها في تونس والجزائر، أثار رئاستَيّ الدولتين.
ولقد ساهم الخطاب العاطفي العاصف للولاء للعثمانية الجديدة في هذا التوتر، وهو خطاب تحتاج أنقرة أن تعمل على ضبطه وتوجيهه، وقد يُعترض على ذلك بأن تركيا لا تتبنى هذا الخطاب وإن استثمرت فيه، وهذا من طبيعة الدول، كونه يضمن تدفق أموال سياحية ضخمة، وغطاء معنويا لمشروعها القومي، في حين أن الدولة التركية، ترحب بالخطاب المتوازن مع الحكومات.
والرد على ذلك أن هذه الموجات، من التعبير للحركات الحزبية والشعبية، التي تراقب النجاح التركي القومي وعاطفته الدينية، تتجاوب بسرعة، مع رسائل تركيا التصحيحية، لا مع الخطاب الفكري المتعقل.
رغم أن القول بوجود مشروع أممي تركي عابر للقارات، يحوّل الصلة من علاقات توازن مصلحية بين تركيا ذات السمة الإسلامية الخطابية، وبين الدول العربية الحديثة، إلى أن تكون هذه الدول ولايات موالية للرئاسة التركية، هو ما يردده محور أبوظبي نفسه، في اتهاماته.
وهذا الاتهام ذاته لا يقوم على قاعدة حقيقية، فمهما توسعت تركيا فإن مستقبل هذا المشروع يقوم على النظام التركي السياسي، والذي سيدخل مدارات متغيرة، بسبب طبيعة الجمهورية التركية الحديثة، والمشهد السياسي فيها، والذي أثّر الرئيس أردوغان فيه بكل تأكيد.
لكن هذا التأثير مرتبط بكاريزميته الشخصية، وأن حركة التدافع السياسي حتى لو بقي حزب العدالة في الحكم، بعد 2023 في دورة جديدة، فإن ذلك لا يعني قيام امبراطورية للجمهورية، تتسلم الرعاية الكلية للدول الحليفة، فهذا رهان خطير يقوم على عاطفة لا وعي سياسي.
إن هذه الصورة التي تخدمها بعض المؤسسات والحضور العربي الكبير في تركيا هي ذاتها قد تكون معيقة لتعاون سياسي واقتصادي وتنموي، تُمثّل فيه أنقرة حليف مصالح قريب من الشرق وهمومه ومشتركاته.
وفي ذات الوقت قد يُنقل الملف التونسي على سبيل المثال من التوافقات الوطنية التي نجحت فيها الثورة، بعد مخاطر كبيرة، إلى أرضٍ رخوة، تراهن على صراع إقليمي وعربي، يفتح الباب لسقوط تونس، خاصة أن الأرضية هشة، والصراع مع النهضة لا يزال يراوح في أروقة الملعب التونسي. كما أن تقدم ليبيا في علاقات نوعية مع تركيا يحتاج أن يحوّل في أي منعطف قادم، إلى دعم عملية سياسية، يسمح بعبورها بين المعسكر الدولي المزدحم، أما ترك الأمور باعتبار أن هناك حسما عسكريا شاملا، ومن ثم تنظيم الدولة كلياً بحسب مصالح تركيا، فهذه الرسالة لن تؤمّن ليبيا، حتى لو أُخرج حفتر من كل الشرق الليبي، فلعبة الحرب الخبيثة يكفيها الرماد، ليُبعث حريقها الكبير.بقلم: مهنا الحبيل
وقبل المضي في المأزق التونسي الجديد، نُشير إلى الرابط بين قلق الجزائر وتونس معاً، ففي الأصل كان موقف الجزائر رافضاً، لإسقاط حكومة الوفاق، وكان هناك تفاهم وارتياح لفائز السراج، يظهر في لغة التعاطي السياسية والدبلوماسية، للجزائر مع المشهد الليبي.
بخلاف موقف الرئيس التونسي قيس سعيّد، وخاصة فوضى مقترحه لاتفاق دستوري لقبائل ليبيا، ووضعه ليبيا في سياق أفغانستان، بمعنى أن الرئيس قدّم للناس تصوراً غاية في الخطورة، ربما من دون قصد، وهو ترك ليبيا إلى مصير أفغانستان، فراغ الدولة وسقوط الجسم السياسي وفتح الحرب الأهلية على مصراعيها، ثم البحث عن خيار قَبلي، رعته الولايات المتحدة الأميركية المحتلة لأفغانستان حينها.
ومن الواضح هنا حجم الخلل في التصور السياسي الدولي والإقليمي لقيس سعيد، لكن هذه ليست كل الحكاية، فالضغط العربي المتبادل بين الولاء لمحور ابوظبي ومشروعها الضخم، الذي حقق اختراقات ليست سهلة في الجسم السياسي التونسي، والجسم الإعلامي، والضغط المقابل لصالح إعلان الارتباط بتركيا، وتبني موقفها في ليبيا، ومن ثم فتح الأبواب لها في تونس والجزائر، أثار رئاستَيّ الدولتين.
ولقد ساهم الخطاب العاطفي العاصف للولاء للعثمانية الجديدة في هذا التوتر، وهو خطاب تحتاج أنقرة أن تعمل على ضبطه وتوجيهه، وقد يُعترض على ذلك بأن تركيا لا تتبنى هذا الخطاب وإن استثمرت فيه، وهذا من طبيعة الدول، كونه يضمن تدفق أموال سياحية ضخمة، وغطاء معنويا لمشروعها القومي، في حين أن الدولة التركية، ترحب بالخطاب المتوازن مع الحكومات.
والرد على ذلك أن هذه الموجات، من التعبير للحركات الحزبية والشعبية، التي تراقب النجاح التركي القومي وعاطفته الدينية، تتجاوب بسرعة، مع رسائل تركيا التصحيحية، لا مع الخطاب الفكري المتعقل.
رغم أن القول بوجود مشروع أممي تركي عابر للقارات، يحوّل الصلة من علاقات توازن مصلحية بين تركيا ذات السمة الإسلامية الخطابية، وبين الدول العربية الحديثة، إلى أن تكون هذه الدول ولايات موالية للرئاسة التركية، هو ما يردده محور أبوظبي نفسه، في اتهاماته.
وهذا الاتهام ذاته لا يقوم على قاعدة حقيقية، فمهما توسعت تركيا فإن مستقبل هذا المشروع يقوم على النظام التركي السياسي، والذي سيدخل مدارات متغيرة، بسبب طبيعة الجمهورية التركية الحديثة، والمشهد السياسي فيها، والذي أثّر الرئيس أردوغان فيه بكل تأكيد.
لكن هذا التأثير مرتبط بكاريزميته الشخصية، وأن حركة التدافع السياسي حتى لو بقي حزب العدالة في الحكم، بعد 2023 في دورة جديدة، فإن ذلك لا يعني قيام امبراطورية للجمهورية، تتسلم الرعاية الكلية للدول الحليفة، فهذا رهان خطير يقوم على عاطفة لا وعي سياسي.
إن هذه الصورة التي تخدمها بعض المؤسسات والحضور العربي الكبير في تركيا هي ذاتها قد تكون معيقة لتعاون سياسي واقتصادي وتنموي، تُمثّل فيه أنقرة حليف مصالح قريب من الشرق وهمومه ومشتركاته.
وفي ذات الوقت قد يُنقل الملف التونسي على سبيل المثال من التوافقات الوطنية التي نجحت فيها الثورة، بعد مخاطر كبيرة، إلى أرضٍ رخوة، تراهن على صراع إقليمي وعربي، يفتح الباب لسقوط تونس، خاصة أن الأرضية هشة، والصراع مع النهضة لا يزال يراوح في أروقة الملعب التونسي. كما أن تقدم ليبيا في علاقات نوعية مع تركيا يحتاج أن يحوّل في أي منعطف قادم، إلى دعم عملية سياسية، يسمح بعبورها بين المعسكر الدولي المزدحم، أما ترك الأمور باعتبار أن هناك حسما عسكريا شاملا، ومن ثم تنظيم الدولة كلياً بحسب مصالح تركيا، فهذه الرسالة لن تؤمّن ليبيا، حتى لو أُخرج حفتر من كل الشرق الليبي، فلعبة الحرب الخبيثة يكفيها الرماد، ليُبعث حريقها الكبير.بقلم: مهنا الحبيل