ينتظر اللبنانيون بما يشبه حبس الأنفاس ردود الرئيس نبيه بري على المقترح الأميركي المتعلق بتنفيذ القرار 1701 الذي حملته السفيرة ليزا جونسون إلى «عين التينة»، والذي يتوقف عليه المسار الدبلوماسي الذي أعيا آموس هوكشتين قبل أن تتولى جونسون جولته الأخيرة. وجرياً على العادة، ترافقت زيارة جونسون مع جملة من التسريبات تولاها إعلاميون مقربون من الرئيس بري وحزب الله، للإصرار على ندّية مفترضة تحكم الموقف الدبلوماسي والتأكيد أن حزب الله لا زال يمتلك ما يكفي من عناصر القوة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر 2023، وأن الكلمة لا زالت للميدان بما يتيح مزيداً من جولات التصعيد.
لقد أسهب إعلاميو عين التينة في التأكيد على التزام الرئيس بري كمفاوض بإسم لبنان وبإسم حزب الله تطبيق القرار الدولي بكافة مندرجاته، وهذا موقف لا يتفرد لبنان وحده في الالتزام به، لكن المفارقة أن الفريقين اللذين يلتقيان على تجاوز مندرجات القرار أو الإلتفاف عليها هما لبنان وإسرائيل.
من جهته، يجهد العدو الإسرائيلي للقفز فوق مندرجات القرار الدولي 1701 والإعتداء على سيادة لبنان عبر المطالبة بحرية العمل لقواته المسلحة براً وبحراً وجوأً داخل المجال الإقليمي اللبناني من ضمن الآلية الدولية المولجة بتطبيق القرار، وهذا ما لا يشكل فقط اعتداءً فاضحاً على سيادة لبنان بل سابقة في الاعتداءً على دور مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين ومطالبته بالإذعان لأحد الفريقين المتقاتلين.
ومن جهة أخرى، يحاذر الرئيس بري الإقرار بشكل صريح بالالتزام بممارسة الحكومة كامل سيادتها وسيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية بما لا يترك أي مجال لأسلحة أو سلطة غير شرعية غير سلطة الدولة اللبنانية (الفقرة 3)، وبإنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من السلاح والمسلحين عدا تلك العائدة لحكومة لبنان واليونيفيل المنتشرة في المنطقة والتطبيق الكامل لمقررات اتّفاق الطائف والقرارات 1559 و1680 التي تتضمن نزع أسلحة كل الجماعات المسلحة في لبنان (الفقرة 8)، وبتأمين حدود لبنان والمداخل الأخرى لمنع دخول الأسلحة أو المعدات المتصلة بها دون موافقتها وإلزام كافة الدول بمنع بيع أو تزويد أي مجموعة أو أفراد في لبنان بالأسلحة والمعدات المتصلة بها (الفقرتين 14 و15).
لا يتطلب استنتاج الإنقسام اللبناني حيال الموقف من تطبيق القرار الدولي والورقة الأميركية الكثير من الجهد، فالمواقف التي أعلنها الرئيس نجيب ميقاتي في المؤتمر الدولي من أجل دعم سكان لبنان وسيادته (باريس، 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024) وفي القمّة العربية الإسلامية التي عقدت في 11/11/2024 في الرياض أكدت بما لا يقبل أي اجتهاد أو تفسيرات ملتبسة الالتزام بتطبيق القرار 1701 بكافة مندرجاته وحصرية الدور للجيش اللبناني في الانتشار بالتعاون والتنسيق مع قوات اليونيفيل. ما يؤكد الإنقسام اللبناني حيال القرار الدولي هو التناقض في المواقف بين ما أعلنه الرئيس ميقاتي عن تمسكه المعلّل بتفاصيل القرار 1701 بعد زيارة كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني للسرايا الحكومي، والمواقف التي عبّر عنها لاريجاني نفسه من عين التينة والتي اختصرت المشهد التفاوضي وقيّدت أي قدرة للرئيس بري على المبادرة والتملص من ثقل طهران كقوة قابضة على قرار لبنان بعد أن قبضت على محور الممانعة الذي يقوده حزب الله.
لقد حاول الرئيس بري -استجابةً لضغوط لاريجاني- إطالة أمد التفاوض من خلال الرفض المبرر للإقتراح الإسرئيلي بحرية العمل الميداني للجيش الإسرائيلي من جهة، ورفض إشتراك بريطانيا وألمانيا إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة في اللجنة المكلفة بمراقبة تطبيق القرار 1701 من جهة أخرى. يدرك الرئيس بري أن هذين الشرطين قابلان للنقاش والتعديل لأنهما غير مدرجين في متن القرار، لكن ما لا يمكن تجاوزه هو عدم الالتزام الصريح بتفكيك البنيّة العسكرية لحزب الله وهو الشرط الأساس لتطبيق القرار الدولي والذي تبقى دونه أهمية كل الشروط الأخرى. هذا ما دفع المبعوث الأميركي آموس هوكشتين إلى إلغاء زيارته للبنان التي كانت مقررة اليوم وهذا ما سيشكل سبباً كافياً لتوقف المبادرات الدولية.
إن الوسيلة المحيّدة المتاحة لمواجهة العدو في هذه الظروف الحرجة تبقى في اللجوء إلى المجتمع الدولي وتطبيق القرار 1701، كما إن محاذير ومخاطر الإستمرار في تجاوز القرار لن تقتصر على تخلي المجتمع الدولي عن دعم لبنان لوقف إطلاق النار، بل ستجعل القرار الدولي قراراً ميثاقياً لا يمكن تجاوزه ويتوقف عليه استمرار لبنان.اللواء اللبنانية