+ A
A -
كان رجلٌ من البادية اسمه «زاهر» يحضرُ إلى المدينة، فيبيعُ فيها ما أحضره معه من البادية، ويشتري من المدينة ما يلزم أهله، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحبُّه ويُلاطفه، وكان زاهرٌ إذا جاء المدينة أحضرَ معه هديةً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا أرادَ العودة إلى البادية جهَّزه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأهداه! وكان يقول عنه: إنّ زاهراً باديتُنا، ونحن حاضروه! أي أنه يُحضر لنا من البادية ما يلزمنا، ونحن نُعطيه من المدينة ما يلزمه!
وكان زاهرٌ هذا دميم الوجه، ولكنه كان يملكُ قلباً كأنه قطعة سُكَّرٍ! وكان مرةً مُنشغلاً ببيعِ بضاعته، فجاء النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من ورائه دون أن يشعر فاحتضنه من الخلف يُريدُ أن يُمازحه، فجعلَ زاهرٌ يقول: من هذا؟ أَفلتني!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُمازحاً يُريدُ منه أن يعرف أنه هو: من يشتري العبد؟
فقال زاهر: يا رسول الله، إذاً واللهِ تجدني كاسداً!
فقال له: لكن عند اللهِ أنتَ غالٍ!
كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أكثر الناس هماً، على عاتقه همُّ هداية البشرية إلى دين ربها، وهمُّ السياسة والحروب والمعاهدات، وهمُّ شؤون الناس والزكاة والصدقات، ولكنه لم يسمح لهذه الهُموم كلها أن تسلبَ منه شيئاً من لُطفه وإنسانيته، لديه وقت لكل شيء، زوجٌ مثاليٌّ، وأبٌ حنونٌ، وجَدٌّ مُحبٌّ، وجارٌ لطيفٌ، وصاحبٌ وفيٌّ! بل لديه وقت أن يتعرَّف إلى بائع مُتجوِّل يأتي من البادية، بل لديه وقت أن ينتبه لأدق التفاصيل، فكان يقبل هديته كرماً منه، ثم يرد الهدية إذا حان موعد الرحيل، بل وأكثر من هذا إنه يُمازح ويُلاطف، يُمسكه من خلفه كما نفعل نحن حين نُغمض عيون أحبتنا ونسألهم من نحن، فما بالنا يمشي أحدنا بهمٍّ واحدٍ، أو ربما منصب مرموق، كأنه يحمل الأرض على كتفيه، في البيت جلَّاد، ومع الجيران فظ، ومع المعارف غليظ، الأمر أهون من هذا بكثير، فقبل أن تكون موظفاً ناجحاً، وإنساناً ثرياً، كُنْ إنساناً، لا يوجد شيء أروع من هذا!
لا يهمُّ من أنتَ عند الناس، المهم من أنتَ عند الله! كان زاهر عند الناس لا يُذكر، بل إنه كان يعرفُ أنه لو كان عبداً وأراد سيده أن يبيعه فلن يجد من يشتريه، ولكن سيِّد الناس أخبره أنه عند الله غالٍ! ليستْ الخسارة أن يضعكَ الناس دونَ قدركَ وأنتَ عند الله مرموق، ولكن الخسارة أن يرفعكَ الناس فوقَ قدرك وأنتَ عند الله رخيص!
لا يضُرك إن جهلكَ الناس، حسبُكَ من الشُّهرة أنك إذا رفعتَ يديكَ إلى السماء تدعو، قالت الملائكة يا رب صوت معروف من عبدٍ معروف!
لا يضُرك إن متَّ بسيطاُ ثم نُسيتَ فلم تُفتقد، يكفيك أن يبكيك ممشاك إلى المسجد، ومكان سجودك، يكفيك أن يفتقدَكَ بسيطٌ كنتَ تبتسمُ في وجهه، ومسكينٌ كنتَ تتعاهده بالصَّدقة!
لا يضُرك إذا كرهكَ البعض لأنك لم تُجارِهِم في معصية، ولم تبِعْ دينك ومبادئك لرضاهم، يكفيك أن تعمل ليرضى الله، ثم يُنادي يا جبريل إني أحبُّ فلاناً فأحبَّه!بقلم: أدهم شرقاوي
وكان زاهرٌ هذا دميم الوجه، ولكنه كان يملكُ قلباً كأنه قطعة سُكَّرٍ! وكان مرةً مُنشغلاً ببيعِ بضاعته، فجاء النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من ورائه دون أن يشعر فاحتضنه من الخلف يُريدُ أن يُمازحه، فجعلَ زاهرٌ يقول: من هذا؟ أَفلتني!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُمازحاً يُريدُ منه أن يعرف أنه هو: من يشتري العبد؟
فقال زاهر: يا رسول الله، إذاً واللهِ تجدني كاسداً!
فقال له: لكن عند اللهِ أنتَ غالٍ!
كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أكثر الناس هماً، على عاتقه همُّ هداية البشرية إلى دين ربها، وهمُّ السياسة والحروب والمعاهدات، وهمُّ شؤون الناس والزكاة والصدقات، ولكنه لم يسمح لهذه الهُموم كلها أن تسلبَ منه شيئاً من لُطفه وإنسانيته، لديه وقت لكل شيء، زوجٌ مثاليٌّ، وأبٌ حنونٌ، وجَدٌّ مُحبٌّ، وجارٌ لطيفٌ، وصاحبٌ وفيٌّ! بل لديه وقت أن يتعرَّف إلى بائع مُتجوِّل يأتي من البادية، بل لديه وقت أن ينتبه لأدق التفاصيل، فكان يقبل هديته كرماً منه، ثم يرد الهدية إذا حان موعد الرحيل، بل وأكثر من هذا إنه يُمازح ويُلاطف، يُمسكه من خلفه كما نفعل نحن حين نُغمض عيون أحبتنا ونسألهم من نحن، فما بالنا يمشي أحدنا بهمٍّ واحدٍ، أو ربما منصب مرموق، كأنه يحمل الأرض على كتفيه، في البيت جلَّاد، ومع الجيران فظ، ومع المعارف غليظ، الأمر أهون من هذا بكثير، فقبل أن تكون موظفاً ناجحاً، وإنساناً ثرياً، كُنْ إنساناً، لا يوجد شيء أروع من هذا!
لا يهمُّ من أنتَ عند الناس، المهم من أنتَ عند الله! كان زاهر عند الناس لا يُذكر، بل إنه كان يعرفُ أنه لو كان عبداً وأراد سيده أن يبيعه فلن يجد من يشتريه، ولكن سيِّد الناس أخبره أنه عند الله غالٍ! ليستْ الخسارة أن يضعكَ الناس دونَ قدركَ وأنتَ عند الله مرموق، ولكن الخسارة أن يرفعكَ الناس فوقَ قدرك وأنتَ عند الله رخيص!
لا يضُرك إن جهلكَ الناس، حسبُكَ من الشُّهرة أنك إذا رفعتَ يديكَ إلى السماء تدعو، قالت الملائكة يا رب صوت معروف من عبدٍ معروف!
لا يضُرك إن متَّ بسيطاُ ثم نُسيتَ فلم تُفتقد، يكفيك أن يبكيك ممشاك إلى المسجد، ومكان سجودك، يكفيك أن يفتقدَكَ بسيطٌ كنتَ تبتسمُ في وجهه، ومسكينٌ كنتَ تتعاهده بالصَّدقة!
لا يضُرك إذا كرهكَ البعض لأنك لم تُجارِهِم في معصية، ولم تبِعْ دينك ومبادئك لرضاهم، يكفيك أن تعمل ليرضى الله، ثم يُنادي يا جبريل إني أحبُّ فلاناً فأحبَّه!بقلم: أدهم شرقاوي