+ A
A -
سألتْ عائشةُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن حِجر إسماعيل عليه السَّلام أهوَ من الكعبة؟
فقال: «نعم، هو من الكعبة»
فقالتْ: فما لهم لم يُدخلوه في البيت؟
فقال: «إنَّ قومكِ قصَّرتْ بهم النفقة»
فقالتْ: فما شأنُ بابه مرتفعاً؟
قال: «فعلَ ذلكَ قومكِ ليُدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا»!
ثم قال: «يا عائشة، لولا أنَّ قومكِ حديثو عهدٍ بجاهلية، فأخافُ أن تُنكر قلوبهم، لأمرْتُ بالبيتِ فهُدِمَ، فأدخلْتُ فيه ما أُخرجَ منه، وألزقتُه بالأرض، وجعلتُ له بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً، فبلغتُ به أساسَ إبراهيم»!
ثم لمَّا استلمَ عبدالله بن الزُبير زمام الحُكم في الحِجاز، حدَّثَتْهُ خالته عائشة بهذا الحديث، فقال لها: زالَ المانعُ الذي كان على عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فهدمَ الكعبة وأعادَ بناءها كما كانتْ على عهدِ إبراهيم عليه السَّلام، ثم لمَّا قتلَ الحجاجُ ابن الزبير، هدمَ الكعبةَ مجدداً، وأعادَ بناءها على ما كانتْ عليه أيام قُريش! فلما جاء أبو جعفر المنصور أرادَ هدمها وبناءها مجدداً كما كانتْ على عهدِ إبراهيم عليه السَّلام، واستشارَ في ذلك الإمام مالك، فقال له: أرى أن تترُكَها على الشكل الذي هي عليه، حتى لا تُصبح الكعبة أُلعوبة الملوك!
والشَّاهد في الأمر: لولا أنَّ قومكِ حديثو عهدٍ بجاهلية!
يُخبرُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّنا عائشة أنَّ شكل الكعبة الذي تراه ليس هو الشكل الذي بناه إبراهيم عليه السَّلام، وأنه يُريدُ أن يَهدمَها فيُعيدَ بناءها، ولكنه يخشى على إيمانِ قُريشٍ التي دخلتْ في الإسلام حديثاً بعد الفتح! وهذا من حِكمته، وحُسن سياسته، ومُراعاته للمصالح والمفاسد!
درءُ المفاسِدِ مُقدَّمٌ على جلبِ المصالح!
بمعنى أنَّ الأمر الصائب الذي ينوي المرءُ فعله ويترتَّبُ عليه مفسدة أكبر من المنفعة يجب أن لا يفعله! وهذا درسٌ بليغٌ من دروس الحياة!
أحياناً نعرفُ أنَّ زوجةً ما قد ظُلمتْ بالزواج من هذا الزوج الذي هي معه، والصواب أن تُنقذَ نفسها وتتركَه، وفي هذا مصلحة لها، ولكن قد يترتَّبُ على هذا الطلاق ضياع الأولاد، فلا هي تستطيع أن تضُمَّهم إليها، ولا تستطيع أن تتركَهم له، فالحكمة هنا أن تُنصح بالصبر، واحتساب الأجر، لا أن تُنصح بالطلاق، ففي طلاقها منفعة فرد واحد، منفعتها هي، ولكن مفسدة لعدة أفراد هم أولادها!
وعلى هذا قِسْ كل أمور الحياة، فالحياةُ ليستْ معادلة حسابية جامدة، واحد زائد واحد يُساوي اثنين، الحياة مُتشابكة، هناك أسود في كل أبيض، وأبيض في كل أسود، والعاقل هو الذي يتقبَّلُ قليل السَّواد للمُحافظة على ما لديه من بياض، ومن أجمل ما قال عمر بن الخطاب: ليس الفطن من عرف الخير من الشَّر، وإنما من عرفَ خير الشَّرين! إن الحياة أحياناً تضعنا بين خيارين أحلاهما مُر، والذكي من سدَّدَ وقاربَ، وقارنَ بين المنفعة والمفسدة، وليسَ كُلُّ حقٍّ يُقال!
بقلم : أدهم شرقاوي
فقال: «نعم، هو من الكعبة»
فقالتْ: فما لهم لم يُدخلوه في البيت؟
فقال: «إنَّ قومكِ قصَّرتْ بهم النفقة»
فقالتْ: فما شأنُ بابه مرتفعاً؟
قال: «فعلَ ذلكَ قومكِ ليُدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا»!
ثم قال: «يا عائشة، لولا أنَّ قومكِ حديثو عهدٍ بجاهلية، فأخافُ أن تُنكر قلوبهم، لأمرْتُ بالبيتِ فهُدِمَ، فأدخلْتُ فيه ما أُخرجَ منه، وألزقتُه بالأرض، وجعلتُ له بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً، فبلغتُ به أساسَ إبراهيم»!
ثم لمَّا استلمَ عبدالله بن الزُبير زمام الحُكم في الحِجاز، حدَّثَتْهُ خالته عائشة بهذا الحديث، فقال لها: زالَ المانعُ الذي كان على عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فهدمَ الكعبة وأعادَ بناءها كما كانتْ على عهدِ إبراهيم عليه السَّلام، ثم لمَّا قتلَ الحجاجُ ابن الزبير، هدمَ الكعبةَ مجدداً، وأعادَ بناءها على ما كانتْ عليه أيام قُريش! فلما جاء أبو جعفر المنصور أرادَ هدمها وبناءها مجدداً كما كانتْ على عهدِ إبراهيم عليه السَّلام، واستشارَ في ذلك الإمام مالك، فقال له: أرى أن تترُكَها على الشكل الذي هي عليه، حتى لا تُصبح الكعبة أُلعوبة الملوك!
والشَّاهد في الأمر: لولا أنَّ قومكِ حديثو عهدٍ بجاهلية!
يُخبرُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّنا عائشة أنَّ شكل الكعبة الذي تراه ليس هو الشكل الذي بناه إبراهيم عليه السَّلام، وأنه يُريدُ أن يَهدمَها فيُعيدَ بناءها، ولكنه يخشى على إيمانِ قُريشٍ التي دخلتْ في الإسلام حديثاً بعد الفتح! وهذا من حِكمته، وحُسن سياسته، ومُراعاته للمصالح والمفاسد!
درءُ المفاسِدِ مُقدَّمٌ على جلبِ المصالح!
بمعنى أنَّ الأمر الصائب الذي ينوي المرءُ فعله ويترتَّبُ عليه مفسدة أكبر من المنفعة يجب أن لا يفعله! وهذا درسٌ بليغٌ من دروس الحياة!
أحياناً نعرفُ أنَّ زوجةً ما قد ظُلمتْ بالزواج من هذا الزوج الذي هي معه، والصواب أن تُنقذَ نفسها وتتركَه، وفي هذا مصلحة لها، ولكن قد يترتَّبُ على هذا الطلاق ضياع الأولاد، فلا هي تستطيع أن تضُمَّهم إليها، ولا تستطيع أن تتركَهم له، فالحكمة هنا أن تُنصح بالصبر، واحتساب الأجر، لا أن تُنصح بالطلاق، ففي طلاقها منفعة فرد واحد، منفعتها هي، ولكن مفسدة لعدة أفراد هم أولادها!
وعلى هذا قِسْ كل أمور الحياة، فالحياةُ ليستْ معادلة حسابية جامدة، واحد زائد واحد يُساوي اثنين، الحياة مُتشابكة، هناك أسود في كل أبيض، وأبيض في كل أسود، والعاقل هو الذي يتقبَّلُ قليل السَّواد للمُحافظة على ما لديه من بياض، ومن أجمل ما قال عمر بن الخطاب: ليس الفطن من عرف الخير من الشَّر، وإنما من عرفَ خير الشَّرين! إن الحياة أحياناً تضعنا بين خيارين أحلاهما مُر، والذكي من سدَّدَ وقاربَ، وقارنَ بين المنفعة والمفسدة، وليسَ كُلُّ حقٍّ يُقال!
بقلم : أدهم شرقاوي