الحماقة غريزة، داء وبلاء، وهي مأخوذة من «حمقت» السوق إذا كسدت، أي أن الأحمق كاسد العقل والرأي، قال أحدهم: عالجت الأبرص والأكمه فأبرأتهما، وعالجت الأحمق فأعياني! يحكى أن اثنين اتصفا بالحماقة اصطحبا، وأرادا أن يقطعا الطريق بالحديث حتى لا يشعرا بالملل، فقال أحدهما للآخر: تعال نتمنى على الله، فقال الأول: أنا أتمنى على الله أن يرزقني قطيع غنم وخرفان أنتفع بلبنها، وصوفها، وقال الثاني: أنا أتمنى قطيع ذئاب، أرسلها على غنمك حتى لا تترك منها شيئاً، فقال الأول: ويحك! فتصايحا، وتصادما، وتساببا، وتشاتما، وتعاركا، وتعافرا، وتذابحا، واشتدت الخصومة بينهما وتصاعد غبارها، الحماقة ليس لها شفاء، والأحمق إذا وسّد الأمر والسلطة، فجر وقطع الأرزاق، وأذل الرقاب، وضرب هذا بذاك، وسرق الجهود، وفرض القيود، وتراكم الظلم، وحول المكان إلى فوضى عارمة، والناس إلى مجانين، وترك «القرعة ترعى»، وخلى الناس في وجع لا يطاق، تلعنه وتشتمه بكلمات مقذعة، إن الحماقة أعيت من يداويها، لأنها ضد العقل، مزاجية وغرور وغياب للحكمة وسوء تدبير ونفس خايسة، داء مستعصٍ لا يمكن الشفاء منه، إلا بالابتعاد عنه وتجنبه، وربما صفة الغرور تلازمه لتزيده حمقاً على حمقه، الأحمق يرى في نفسه من المزايا ما لا يراها في غيره، ويعتقد جازماً أنه المحور وغيره لا شيء، عديم الإحساس، لا يشعر بمعاناة أحد، ولا يقدّر مصائب الأخرين، وهموم الغير.
والحماقة حالة من تلبسها ضل جادة الطريق، وولّع في المكان حريق،
فالحماقة آفة مهلكة لمن اتصف بها وسلك طريقها، فالأحمق عدو نفسه، فهو دائماً يحاول تغطية «شينه بقواة عينه» بقلة أدبه، وسوء مسلكياته، وقراراته الصادمة التي تعكس مزاجيته العفنة، وسوء تدبيره.
آخر الكلام: الكرسي والواسطة لا تجعل الأحمق ملاكاً، (إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، ونعني بها ساعة الفوضى والخراب، ونعيق الغراب، وعلى الخير والمحبة نلتقي.