+ A
A -
أسامة عثمان كاتب فلسطيني

لا نبعد، حين نقول إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو، أقلّه في هذه الآونة، يعكس في اضطرابه، وفي فقدان شرعيته، دولته التي يزجُّها إلى صراعات مفتوحة، وغير معلومة النهاية، مع تحلُّل من التواضعات الدولية، ناظمة الحروب والنزاعات.

ومن المتوقَّع أنْ تزداد عصبيتُه، وتهوُّره، بعدما أصدرت محكمة الجنايات الدولية أمر اعتقال بحقِّه، وبحقِّ وزير دفاعه السابق يوآف غالانت، الذي أقاله على خلفيَّة خلافاتهما في إدارة الحرب العدوانية على غزّة، ومستقبل القطاع بعد الحرب، ولأسباب أخرى.

فهذا الزعيم الذي أخذه جنون الزعامة إلى منطقة أبعد ما تكون عن العقلانية، وجرَّته تحالفاتُه مع طموحين يفوقونه في التهوُّر والغرور، ونزعات الانتقام المتعجِّل، والمقصودان، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، هذا الزعيم يستمرّ في تقطيع الخيوط مع العالم، ويوغل في الانغلاق على مرجعيات دينية يمينيّة، لا تمانع في التضحية بالصفة الديمقراطية، أمام ما يصنّفها اعتباراتٍ أمنية وجودية، وهو يترك لبن غفير وسموتريتش التعبير عن رؤاه وأهدافه، كما في مستقبل الضفة الغربية والفلسطينيين فيها، حيث الحرْص على نفي أيِّ آمال، واقعية أو تأويلية، في حسْمِها تحت السيادة الاحتلالية، وخنْقها اقتصاديّاً، بما يؤول إلى تهجير من يمكن تهجيرهم، وخصوصاً من الشباب، وإخضاع ما تسمَّى بمناطق ج (حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية) إلى قرارات الإدارة المدنية التابعة له.

تتكاثر الأزمات على هذا الزعيم الذي تكشفّ عنه نتانياهو، فلا هو محصَّن، داخليّاً، ولا هو أبيض الصفحات دوليّاً، ففي الداخل، يواجه أزماتٍ ثلاث: أزمة الاتهامات السابقة للسابع من أكتوبر/‏ تشرين الأول (2023)، وأزمة مسؤوليته عن وقوع تلك الهجمات، بوصفه رئيس الحكومة والمسؤول العام وصاحب القرار الأهم، ويتفرَّع منها أزمة الرهائن الذين لا يبدو أنه يمنحهم الأولوية الكافية، ولو أدَّى إلى مقتلهم، واحداً بعد الآخر. وأخيراً، أزمة التسريبات من مكتبه، ومسؤوليته ودوره فيها.

نتانياهو الذي يحب أن يمثِّل، أمام العالم، دوْرَ الخصم والحكَم، يتَّخذ موقف المهاجِم، والمتِّهِم، ولا نعلم كم من المؤسّسات الدولية سيحارب، الأمم المتحدة، ممثلةً في الجمعية العمومية، ومجلس حقوق الإنسان، ووكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)؟.. فيما عليه، الآن، أنْ يضيف إلى قائمة أعدائه المحكمةَ الجنائية الدولية، المؤسّسة بموجب ميثاق روما، والتي تعمل على وقْف انتهاكات حقوق الإنسان، عبْر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب، والموافق عليها، من 120 دولة، وصادقت على قانونها 114 دولة، وقد أصدرت مذكِّرة اعتقال بحقِّ نتانياهو، بالإضافة إلى غالانت، قالت فيها إن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة «غير ضروري»، بسبب «وجود أسباب منطقية للاعتقاد أن نتانياهو وغالانت ارتكبا جرائم حرب». وأضافت المحكمة، في بيان، أن ثمّة «أسباب منطقية» تدعو إلى الاعتقاد أنهما أشرفا على هجمات على السكَّان المدنيِّين في قطاع غزّة. وأوضحت أن جرائم الحرب ضد نتانياهو وغالانت تشمل: استخدام التجويع سلاحَ حرب والقتل والاضطهاد و«غيرها من الأفعال غير الإنسانية».

وفيما قالت المحكمة، في بيان منفصل، إنها أصدرت، أيضاً، مذكِّرة اعتقال ضدَّ القائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، محمد الضيف، فإنَّ تبعات القرار على نتانياهو مغايرة تماماً لتبعاته على الضيف، إذ هذا القرار، بحدِّ ذاته، لا يَحُدُّ فقط من تحرُّكات نتانياهو، وتنقُّلاته الخارجية، وإنما من شأنه أن يحرج أي مسؤول في العالم، إن هو استضاف نتانياهو، أو تعاون معه، ولا يتوقَّع أنْ تنجح الدعاية الإسرائيلية بسلاح معاداة الساميِّة الذي يبالَغ في استخدامه، في تغييب هذه الوصمة التي لحقت بنتنياهو، وقرَنته بمجرمي حربٍ سابقين، أمثال رئيس يوغوسلافيا السابق، سلوبودان ميلوسوفيتش.

ومن شأن هذا القرار أن يمدَّ حركات الاحتجاج العالمية ضدَّ جرائم دولة الاحتلال في غزّة والضفة الغربية ولبنان بمَدَدٍ وسنَدٍ تجسِّده هيئةٌ دوليةٌ قانونيةٌ لا يمكن تجاهلُها، فضلاً عن أنه سيوسِّع عزلة إسرائيل، وحملات مقاطعتها، في الأوساط العلمية والثقافية وغيرها. ذلك بعدما دعمت هذا القرار دول عديدة، منها أوروبية مهمة، ودول عربية.

وفي المقابل، لن يتمخَّض عن هذه المذكِّرة تأثير فوري يوقف العدوان المدمِّر في قطاع غزّة، ومحاولة الاحتلال تثبيت وقائع احتلالية فيه، ما لم تتبنَّ هذا الاتجاه الضاغط دولٌ كبرى، أهمُّها أميركا، ذلك بحُكْم سيطرة دولة الاحتلال على الأرض، وأهداف قادتها المُبيَّتة، كما طالب بن غفير أنْ يكون الردُّ على مذكرات الاعتقال «بتطبيق السيادة على كافة أراضي يهودا والسامرة». فيما قادة الاحتلال مطمئنُّون إلى توافُقٍ قد يكون تامّاً مع سيِّد البيت الأبيض المقبل دونالد ترامب في ما يخصُّ مطامع إسرائيل في الضفة الغربية والقدس.العربي الجديد

copy short url   نسخ
25/11/2024
0