من كان يظن أننا سنصل إلى ما نحن عليه اليوم من تطور وتقدم، أننا نتنقل من مدينة إلى أخرى في زمن قياسي، ونغادر قارة في أقصى الشرق إلى قارة في أقصى الغرب محلقين كالطيور في صفحة السماء، سوى تلك المخيلة البشرية الخصبة التي رسمت للمستقبل ألف صورة وصورة، وجعلت مما كان ضرباً من المستحيل واقعاً نحيا في ربوعه الآن.

يقول آينشتاين: «يكفيني أن أكون فناناً يرسم بحرية في مخيلته، فالخيال أكثر أهمية من المعرفة. المعرفة ذات حدود تقف عندها، أما الخيال يلف العالم كله». إن كل شيء تتخيله يمكن أن يكون رؤية لمستقبلك ومعاينة مسبقة لما سيؤول إليه حالك في الأيام القادمة، وكل شيء اخترعته البشرية منذ فجر التاريخ وحتى هذه وقتنا الحاضر، كان في الأصل صورة تعشش في مخيلة أحدهم.

لهذا كان الخيال وسيبقى المحرك الأصيل الذي يدفع عجلة الحضارة قدماً نحو الأمام، وأساس كل نجاح وإنجاز حققه أو سيحققه الإنسان. فما تتخيله بكل وضوح وجلاء، وترغب فيه بكل إصرار وقوة، وتؤمن به من صميم أعماقك، وتعمل جاهداً على تحقيقه بكفاح متواصل وإرادة لا تلين، لا بد أن يرى النور يوماً.

عندما خرج الشاب «إدوين سي. بارنز» من القطار في نيوجيرسي، بقصد لقاء «توماس إديسون»، ظهر وكأنه متشرد فقير، غير أن أفكاره كانت أفكار ملك. وبينما هو يشق طريقه باتجاه مكتب العالم الشهير، كان ذهنه يعمل بلا توقف، متخيلاً ذاته يقف أمام «إديسون» وينال الوظيفة التي لطالما حلم بها، حتى أنه كان يتخيل نفسه وهو يطلب من «إديسون» منحه فرصة العمل على هوسه الشديد في أن يغدو شريكاً تجارياً له، حتى قابله واستطاع بفضل رغبته العارمة ومخيلته الحديدية نيل الفرصة التي ظل الناس من حوله يحسدونه عليها سنين طويلة.

هذه ببساطة هي قوة التخيل الذي يصنع المعجزات، ويخلق الفرص من رحم العدم، وينقل الإنسان من حال إلى حال، ويجعل المستحيل ذليلاً أمام جبروت الممكن. فعقلك الباطن ما هو إلا مصنع يحول أفكارك والصور التي تتراقص في ذهنك إلى مقابل مادي في العالم الواقعي. إنه لا يعرف الفرق بين الصواب والخطأ، بين الحلم والحقيقة، لأن مهمته مقتصرة على تحقيق أي شيء تتخيله بقوة وتؤمن به بعمق.

لهذا ترى العديد من الرياضيين أمثال «محمد علي كلاي» ممن سخروا الخيال واستثمروه بشكل فعَّال في مسيرتهم الرياضية فحققوا أعظم الإنجازات على الإطلاق، حيث قال: «الأبطال لا يُصنعون في صالات التدريب، الأبطال يُصنعون من أشياء عميقة في داخلهم هي: الإرادة والحـُلم والرؤية». فمن دون الحلم والرؤية اللذين يداعبان مخيلة الإنسان الناجح الطموح كل يوم، لا يمكن بلوغ النجاح وتحقيق البطولة.

فإذا كنت تطمح إلى القمة، وترغب بشدة في تحسين حياتك من الناحية المادية والاجتماعية والروحية، فعليك أن تجعل الخيال جزءاً من حياتك اليومية. هذا لا يعني أن ما تتخيله يصبح واقعاً من دون عمل، فالعمل الشاق لا سبيل إلى استبداله بأي شيء. لكن العمل الدؤوب إلى جانب الخيال الخصب يفعل المعجزات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

فكل شيء كان في غابر العقود محض مستحيل أصبح اليوم ممكناً بفضل أولئك الحالمين الذين جعلوا من مخيلتهم عالماً بحد ذاته، والذين آمنوا بقدرة الإنسان على إحداث فرق في هذا العالم، وتخيلوا كل لحظة نجاح أفكارهم وتجسّدها على أرض الواقع، رغم كل المعارضات الخارجية والعراقيل التي وُضعت أمامهم.

آمن بنفسك، واستثمر ملكة الخيال التي وهبك الله إياها دوناً عن سائر المخلوقات، واعمل بجد وكفاح مستمر، لتشهد مستقبلاً زاهراً وحياة مختلفة كليّاً عن الحياة التي تعيشها الآن، وتذكر دائماً أن الثروات تبدأ على صورة فكرة، فقط الشخص الذي يضع الفكرة الكامنة في عقله موضع التنفيذ العملي ويؤمن بنجاحه إيماناً يكسر القيود، هو الذي يحدد المبلغ.