قالَ المأمون: قالَ لي«بختيشوع بن جبريل» الطبيب: إنَّ الذُّبابَ إذا دُلِكَ به موضع لسعة الزنبورِ سكن.فلسعني زنبور، فحككتُ على موضعه أكثر من عشرين ذبابة فما سكنَ إلا في قدرِ الزمانِ الذي كانَ يسكنُ فيه من غيرِ علاج، فلم يبقَ إلا أن يقولَ بختيشوع: كانَ هذا الزنبور حتماً قاضياً، ولولا هذا العلاج لقتلك!وكذلكَ الأطباء، إذا سقوا دواءً فضرَّ، أو قطعوا عِرقاً فضرَّ، قالوا: أنتَ مع هذا العلاج الصواب تجدُ ما تجد، فلولا ذلك العلاج كنتَ الساعة في نارِ جهنم!يبدو أنَّ بعضَ الأشياءِ لا تتغيَّر على ظهرِ هذا الكوكب، والحالُ أيام المأمون كالحالِ أيامنا، ويبدو أنه كانَ كذلكَ مُذ عرفتْ البشريةُ الأطباءَ!تذهبُ إلى أحدهم فيصِفُ لكَ علاجاً، فإذا لم يُجْدِ، وجئتَ تُراجعه، قالَ لكَ: احمد الله، لولا هذا العلاج الذي وصفتُهُ لكَ لكانتْ الأمور أكثر سوءاً!وإذا سئمتَ من طبيبٍ وذهبتَ إلى آخر مُصطَحِباً معكَ كل ألفُحوصات، وصور الأشعة، ووصفات الدواء، وقدمتها إليه وأنتَ تشرحُ حالتكَ، ألقاها جانباً، وقالَ لكَ: حكي فاضي، سنبدأُ من جديد!طبعاً أحترمُ الطبيبَ الذي لا يصف علاجاً إلا بعد أن يُجري فحوصات ليكون على بينةٍ من الحالة، ولكن التصرف على أنكَ آخر ما تبقى من ابن سينا وأبُقراط أمر غثيث جداً!أما عن خطِّ بعض الأطباء في الوصفاتِ العلاجيةِ فحدِّثْ ولا حرج، طلاسمٌ لا يكاد الصيادلة يفُكُّون شِيفرتها إلا بشقِّ الأنفس، وقد يضطرون إلى مراجعةِ الطبيبِ ليتأكدوا أنهم نجحوا فعلاً في فكِّ رموزِ هذه الوصفةِ السحرية. بالمناسبة فإن سبعة آلاف شخص سنوياً يموتون بسببِ هذه الطلاسم!أحترمُ مهنةَ الطب كثيراً، وأَنظُرُ بعينِ الإجلالِ للأطباء ولا شيء عندي ضدهم، وثقتي بهم كبيرة، وأزورُهم حين أمرض، ولكن ثمة تصرفات كثيرة لا تُعجبني هذه بعضها، ولا أجد لها مبرراً!ما المانع إذا قصدكَ مريضٌ لستَ مختصاً في حالته أن ترشدَهُ إلى غيرك، بدل أن تجعلَ منه حقل تجارب؟ وما المانع إذا فشلتَ في معالجةِ مريضٍ أن تعترف؟ وما المانع إذا كانَ خطك مقروءاً؟ هذه وصفةٌ طبيةٌ وليستْ حجاباً كتبه مُشعوذ!