+ A
A -
كان من عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مكة قبل الهجرة أن يأتيَ بيتَ أبي بكرٍ إما صباحاً وإما مساءً، وفي أحد الأيام أتاهُ ظُهراً على غيرِ عادته، فقالَ أبو بكر بفراسته المعهودة: ما جاءَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه السَّاعة إلا لأمرٍ قد حدث!
فلما دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر: أَخْرِجْ مَن عندكَ!
فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما هما ابنتايَ أسماء وعائشة!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أُذِنَ لي في الخروج/الهجرة!
فقال أبو بكر: الصُّحبة يا رسول الله!
فقال له: الصُّحبة يا أبا بكر!
فقال أبو بكر: يا رسول الله عندي ناقتان أعددتُهُما للخروج، فخُذْ إحداهما!
فقال له: قد أخذتُها بالثمن، فلا أركبُ بعيراً ليس لي!
فقال أبو بكر: فهو لكَ!
فقال له: لا، ولكن بالثمن الذي ابتعتها به
فقال أبو بكر: بثمنها إن شئتَ!
في الحقيقة لم تكن العلاقة بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين أبي بكرٍ بهذه الرَّسمية، وهذا الحساب بالدرهم والدينار، على العكس تماماً نذرَ أبو بكر نفسه وماله فداءً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان عليه السَّلام يأخذُ منه دون حرج، ويكفي إثباتاً لهذا ما قاله قبل وفاته بأيام: «إنَّ من أَمَنِّ الناس عليَّ في صُحبتِه ومالِه أبو بكر»! لهذا السبب احتارَ ألفُقهاءُ وأهلُ السِّيَرِ في إصرار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدفعَ ثمن الناقة وأعجبني من أقوالهم قول القائل: أصرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يدفع ثمن الناقة لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبةً منه في استكمالِ فضلِ الهجرةِ والجِهادِ على أتمِّ أحوالِهما!
الأصلُ أن يتعامل الأصدقاء فيما بينهم بالمعروف، وأن لا يكون الحساب فيما بينهم كحسابِ التاجر والزبائن بالورقة والقلم، ومن خُلق الصحبة أن يتحسسَ المرءُ حال صديقه وخليله فإن عرفَ أنه له حاجة، أو نزلتْ به ضائقة أن يُسعفَه ويُعطيه قبل أن يُبادرَه بالسؤال، وإن بادرَه بالسؤال واستدانَ منه، فمن المروءة أن ينزلَ له عن بعضِ الدَّينِ فهذا من حُسنِ الصُّحبة ومكارم الأخلاق.
على أنه لا يتنافى مع الأخلاق أبداً أن تدُفعَ الحقوق بين الأصحاب كاملة، الأصدقاء ليسوا فاحشي الثراء كلهم، ويكفي من النُّبل أن أعانَ الصديقُ صديقَه وفرَّج كربَه، ولكن يبقى الإحسان والمعروف سيدا الأخلاق!بقلم: أدهم شرقاوي
فلما دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر: أَخْرِجْ مَن عندكَ!
فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما هما ابنتايَ أسماء وعائشة!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أُذِنَ لي في الخروج/الهجرة!
فقال أبو بكر: الصُّحبة يا رسول الله!
فقال له: الصُّحبة يا أبا بكر!
فقال أبو بكر: يا رسول الله عندي ناقتان أعددتُهُما للخروج، فخُذْ إحداهما!
فقال له: قد أخذتُها بالثمن، فلا أركبُ بعيراً ليس لي!
فقال أبو بكر: فهو لكَ!
فقال له: لا، ولكن بالثمن الذي ابتعتها به
فقال أبو بكر: بثمنها إن شئتَ!
في الحقيقة لم تكن العلاقة بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين أبي بكرٍ بهذه الرَّسمية، وهذا الحساب بالدرهم والدينار، على العكس تماماً نذرَ أبو بكر نفسه وماله فداءً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان عليه السَّلام يأخذُ منه دون حرج، ويكفي إثباتاً لهذا ما قاله قبل وفاته بأيام: «إنَّ من أَمَنِّ الناس عليَّ في صُحبتِه ومالِه أبو بكر»! لهذا السبب احتارَ ألفُقهاءُ وأهلُ السِّيَرِ في إصرار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدفعَ ثمن الناقة وأعجبني من أقوالهم قول القائل: أصرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يدفع ثمن الناقة لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبةً منه في استكمالِ فضلِ الهجرةِ والجِهادِ على أتمِّ أحوالِهما!
الأصلُ أن يتعامل الأصدقاء فيما بينهم بالمعروف، وأن لا يكون الحساب فيما بينهم كحسابِ التاجر والزبائن بالورقة والقلم، ومن خُلق الصحبة أن يتحسسَ المرءُ حال صديقه وخليله فإن عرفَ أنه له حاجة، أو نزلتْ به ضائقة أن يُسعفَه ويُعطيه قبل أن يُبادرَه بالسؤال، وإن بادرَه بالسؤال واستدانَ منه، فمن المروءة أن ينزلَ له عن بعضِ الدَّينِ فهذا من حُسنِ الصُّحبة ومكارم الأخلاق.
على أنه لا يتنافى مع الأخلاق أبداً أن تدُفعَ الحقوق بين الأصحاب كاملة، الأصدقاء ليسوا فاحشي الثراء كلهم، ويكفي من النُّبل أن أعانَ الصديقُ صديقَه وفرَّج كربَه، ولكن يبقى الإحسان والمعروف سيدا الأخلاق!بقلم: أدهم شرقاوي