+ A
A -

هي أخطر الحروب وأشدها تاثيرا على الشعوب والمجتمعات لأنها تخاض بجيوش لا تُرى. الحروب الثقافية والحروب الغذائية والحروب الإعلامية والحروب النفسية.. وكل الحروب الرمزية إنما تُخاض بأخطر وأعتى المقاتلين فتترك وراءها أوطانا ممزقة ومجاعات وفتنا وندوبا اجتماعية وحضارية لا تلتئم. لن نخوض في الحروب الإعلامية التي تستهدف هذا الطرف أو ذاك فهذه عمليات قائمة لا تتوقف سواء كانت على نطاق الإعلام الرسمي أو على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ساحة مفتوحة للحروب الرمزية. من أخطر هذه الحروب الحروب الثقافية التي تستهدف منظومات القيم الخاصة بشعب ما باعتبارها القاعدة والأساس الذي تقوم عليه شخصية الفرد والجماعة وتحدد سلوكه ومستقبله بل وحتى مصيره. لن ننكر أن الأمة العربية خاصة والمسلمة بشكل عام قد خسرت جولات ومعارك في هذه الحرب بسبب القصف الذي يمارس عليها في الداخل قبل أن يكون قصفا خارجيا. إذ يكفي دليلا على ذلك عدد القنوات والمنابر والهيئات والمنظومات وحتى الوزارات العربية المكلفة بالتأثير سلبا في قيم المجتمع ومبادئه وهو الأمر الذي تظهر نتائجه الخطيرة في حالات الجرائم والانحرافات الخطيرة التي تشهدها بعض المجتمعات العربية. على جبهة أخرى اندلعت منذ سنوات أو حتى عقود حرب صامتة تتمثل في حرب الماء والغذاء التي يستفيق العالم اليوم على آثارها الكارثية بعد الحرب الروسية الأوكرانية. لا يتعلق الأمر هنا بالأزمة في وجهها العالمي بل نخص منها الحالة العربية التي تمثل من جهة أكثر مناطق العالم جفافا وأقلها استعدادا لتحمل صدمات ندرة الغذاء وتختص من جهة أخرى بغياب البنى التحتية والتكنولوجية القادرة على امتصاص هذا النوع من الأزمات. في مصر وفي العراق وفي ليبيا ومنطقة المغرب العربي بات الجفاف سمة لا تخطئها العين مع اختفاء بعض الأنهار والبحيرات العذبة وانخفاض مستوى الماء في كثير من الآبار. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل استعدّت الأنظمة والحكومات العربية لأكثر الاحتمالات خطورة ؟ وهل أنفقت ما يكفي في سبيل الدفاع عن أمنها المائي والغذائي ؟ وهل تستطيع اليوم تدارك الأخطاء الكارثية التي حدثت في الماضي مثلما هو الحال في مصر والسودان والعراق والجزائر مثلا ؟ ليست المسألة في مثل هذه الحروب مسألة خيار أو ترف بل هي مسألة وجود وقضية حياة أو موت بالنسبة للجميع. وهو الأمر الذي يفرض اليوم على عدد من الدول العربية البدء في وضع خطط فورية لضمان حاجيات ملايين السكان من ماء وغذاء.

محمد هنيد استاذ محاضر بجامعة السوربون [email protected] -

copy short url   نسخ
18/08/2022
10