+ A
A -
بعد مخاض عسير ومداولات طويلة قدّم رئيس الحكومة المكلّف السيد هشام المشيشي قائمة حكومته المقترحة من أجل المصادقة عليها أمام برلمان الشعب في أول أيام الشهر القادم. هي كما يسميها التونسيون حكومة الرئيس الثانية بعد سقوط حكومة الرئيس الأولى بسبب تورط رئيسها في ملفات فساد ضخمة وهي كذلك حكومة الفرصة الأخيرة التي قد تؤدي في حال إسقاطها من طرف البرلمان إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
إن الخطر الذي يهدد الحكومة الجديدة هو كونها ليست حكومة حزبية أي أنها حكومة لم تشكلها الأحزاب ولم يختر رئيسها الحزبُ الأول في الانتخابات البرلمانية وهو حزب حركة النهضة. وهي تشكل بذلك نوعا من الالتفاف على الانتخابات البرلمانية نفسها وعلى الدستور الذي يقضي بضرورة تشكيل الحزب الأول في الانتخابات البرلمانية الحكومةَ.
هذا القفز على الدستور سببه تعنّت بعض الأحزاب المحسوبة على الثورة وخاصة منها حزب حركة الشعب ذي النزعة القومية وحزب التيار الديمقراطي اللذين نجحا في إسقاط حكومة الحبيب الجملي وفرضا منطق حكومة الرئيس. ليس المشكل في حكومة الكفاءات أو ما يُسمى زيفا حكومة التكنوقراط بمعنى أنها حكومة غير حزبية فقد أثبتت حكومة الرئيس الأولى أنها ليست حكومة كفاءات بل هي حكومة مسيّسة حتى النخاع لأنها تضم وزراء من النظام القديم، وهو حال الحكومة المقترحة الجديدة.
تحمل الحكومة الجديدة كذلك بصمات رئيس الجمهورية الذي عيّن بنفسه وزير الخارجية والدفاع اللذين يدخلان ضمن صلاحياته لكنه اختار أيضا وزير الداخلية من أصدقائه المقربين وتلامذته في الجامعة. هذا التمشي يضع رئاسة الجمهورية أمام مسؤولية كبيرة في حال إخفاق الحكومة الجديدة أو عجزها عن الفوز بمصادقة البرلمان لأن الرئيس سيكون في هذا الحالة مسؤولا أمام البرلمان وأمام الشعب. فقد فشلت حكومته الأولى في تحقيق الحدّ الأدنى من الشروط المطلوبة وعلى رأسها محاربة الفساد الذي تورطت فيه وسقطت بسببه.
لكن مهما كانت المآلات فإن صمود المسار الانتقالي وتواصل عملية الفرز وتعاقب الحكومات ليس إلا دليلا على حيوية سياسية ما لم تنزلق البلاد نحو خيارات الإقصاء أو العنف لا سمح الله. إن بناء الديمقراطية يتطلب تراكمات كثيفة تضمن استقرار التجربة السياسية وتحقق الخبرة المطلوبة التي هي شرط نجاح كل انتقال ديمقراطي حقيقي. ما يحدث في تونس اليوم مخاض عسير لكنه رغم كل ذلك يمثل ضريبة الخروج من طور الاستبداد وحكم الفرد الواحد نحو حكم المجموعة في انتخابات حرة ونزيهة يقبل بها الجميع حسب ما يمليه الدستور.بقلم: محمد هنيد
إن الخطر الذي يهدد الحكومة الجديدة هو كونها ليست حكومة حزبية أي أنها حكومة لم تشكلها الأحزاب ولم يختر رئيسها الحزبُ الأول في الانتخابات البرلمانية وهو حزب حركة النهضة. وهي تشكل بذلك نوعا من الالتفاف على الانتخابات البرلمانية نفسها وعلى الدستور الذي يقضي بضرورة تشكيل الحزب الأول في الانتخابات البرلمانية الحكومةَ.
هذا القفز على الدستور سببه تعنّت بعض الأحزاب المحسوبة على الثورة وخاصة منها حزب حركة الشعب ذي النزعة القومية وحزب التيار الديمقراطي اللذين نجحا في إسقاط حكومة الحبيب الجملي وفرضا منطق حكومة الرئيس. ليس المشكل في حكومة الكفاءات أو ما يُسمى زيفا حكومة التكنوقراط بمعنى أنها حكومة غير حزبية فقد أثبتت حكومة الرئيس الأولى أنها ليست حكومة كفاءات بل هي حكومة مسيّسة حتى النخاع لأنها تضم وزراء من النظام القديم، وهو حال الحكومة المقترحة الجديدة.
تحمل الحكومة الجديدة كذلك بصمات رئيس الجمهورية الذي عيّن بنفسه وزير الخارجية والدفاع اللذين يدخلان ضمن صلاحياته لكنه اختار أيضا وزير الداخلية من أصدقائه المقربين وتلامذته في الجامعة. هذا التمشي يضع رئاسة الجمهورية أمام مسؤولية كبيرة في حال إخفاق الحكومة الجديدة أو عجزها عن الفوز بمصادقة البرلمان لأن الرئيس سيكون في هذا الحالة مسؤولا أمام البرلمان وأمام الشعب. فقد فشلت حكومته الأولى في تحقيق الحدّ الأدنى من الشروط المطلوبة وعلى رأسها محاربة الفساد الذي تورطت فيه وسقطت بسببه.
لكن مهما كانت المآلات فإن صمود المسار الانتقالي وتواصل عملية الفرز وتعاقب الحكومات ليس إلا دليلا على حيوية سياسية ما لم تنزلق البلاد نحو خيارات الإقصاء أو العنف لا سمح الله. إن بناء الديمقراطية يتطلب تراكمات كثيفة تضمن استقرار التجربة السياسية وتحقق الخبرة المطلوبة التي هي شرط نجاح كل انتقال ديمقراطي حقيقي. ما يحدث في تونس اليوم مخاض عسير لكنه رغم كل ذلك يمثل ضريبة الخروج من طور الاستبداد وحكم الفرد الواحد نحو حكم المجموعة في انتخابات حرة ونزيهة يقبل بها الجميع حسب ما يمليه الدستور.بقلم: محمد هنيد