غزة- الأناضول- بين أمواج البحر الهائجة ومياه الأمطار الغزيرة التي تساقطت على قطاع غزة، تتجدد مأساة النازحين الذين هربوا من نيران الحرب ليجدوا أنفسهم محاصرين بأزمات أخرى لا تنتهي، ترافقت مع تحذيرات أممية من تبعاتها.
فالليلة الماضية، اجتاحت مياه البحر خيام النازحين المقامة على شاطئ مواصي خان يونس جنوب القطاع، وغمرت مياه الأمطار الخيام في مختلف المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية، ما فاقم أوضاع النازحين الصعبة والقاسية.
هذه المأساة الجديدة القديمة، أغرقت ممتلكات النازحين البسيطة وضاعفت معاناتهم، في ظل إبادة إسرائيلية مستمرة لا ترحم.
وعلى شاطئ البحر حيث لجأ النازحون هربا من أهوال الإبادة الإسرائيلية المستمرة، حدثت الكارثة باجتياح مياه البحر العاتية الخيام المهترئة التي لا تكاد تحمي ساكنيها من قسوة الطقس، لتُغرق ما تبقى من ممتلكاتهم البسيطة وتزيد معاناتهم أضعافا.
الأطفال يبكون تحت وطأة البرد القارس، بينما يصارع الكبار لإخراج المياه التي غمرت الخيام. بأيديهم الخاوية وأدواتهم البدائية، يحاولون دفع المياه التي اجتاحت أركان حياتهم البسيطة، وكأن الحرب وحدها لم تكن كافية لإغراقهم في المعاناة.
وفي الظلام الدامس وأجواء البرد القارس، خرجت العائلات النازحة من خيامها المهترئة محاولة مواجهة الكارثة، وبدأت سباقا يائسا مع الوقت لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
مشاهد العائلات وهي تفرغ المياه من خيامها بأدوات بدائية أو حتى بأيديها العارية تلخص معاناة النازحين التي يصعب وصفها.
الفلسطيني سامي أبو ركبة، أحد النازحين من شمال قطاع غزة، يقول بصوت متقطع من شدة التعب: «هربنا من القصف والجوع إلى شاطئ البحر، لكن المطر والبحر لم يتركا شيئا لنا».
وتحت أضواء باهتة تنبعث من الهواتف المحمولة، تلتف العائلات حول بعضها البعض في مشهد يعكس مرارة النزوح وقساوة المعاناة. فهنا طفل يرتجف بين ذراعي أمه، وهناك شيخ يحاول إصلاح خيمته التي تمزقت بفعل الأمواج والرياح.
وفي وسط القطاع، غمرت مياه الأمطار خيام النازحين، التي بالكاد تقيهم من الرياح العاتية، وتحولت الأراضي الزراعية التي لجأوا إليها إلى مستنقعات موحلة، تزيد من صعوبة التحرك والحفاظ على ما تبقى لديهم. النازحة سهام رزق، تقول: «كانت أمطارا غزيرة جدا، لم نجد مكانا نجلس فيه. أبنائي لم يناموا طوال الليل من الجوع والبرد، فكل ما أملكه غرق داخل هذه الخيمة».
وتضيف رزق، لمراسل الأناضول، بعيون تدمع وصوت متقطع: «إننا نموت في كل لحظة ألف مرة، إن الموت أرحم علينا مما نعيشه، قصف وخوف وجوع وبرد قارس».
وقال إسماعيل الثوابتة مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إن مليوني نازح في قطاع غزة، يعيشون حياة قاسية جدا، بسبب تهجيرهم قسريا عقب التهديدات التي أطلقها الاحتلال لهم، وحشرهم في مساحة أقل من عشر مساحة القطاع.
وأشار، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، إلى أن النازحين يعيشون ظروفا قاسية، بسبب دخول فصل الشتاء وهم في خيام مهترئة وغير صالحة للاستخدام، حيث إن مياه الأمطار تتسلل إلى خيامهم وتفسد مقتنياتهم وملابسهم.
ويتعرض قطاع غزة منذ أمس، لمنخفض جوي حاد، انخفضت فيه درجات الحرارة وتساقطت الأمطار بغزارة على عدة مناطق مع رياح شديدة، عصفت بخيام النازحين في مخيمات النزوح، فيما غمرت مياه البحر خيام النازحين التي أقاموها على الشاطئ مباشرة وسط وجنوب القطاع، ما أدى لغرقها.
وأوضح الثوابتة أنه بسبب العدوان واستمرار حرب الإبادة الجماعية، فإن أعداد النازحين لا تزال في ازدياد مستمر وينتقلون من مكان إلى مكان، هربا من القصف والقتل الإسرائيلي.وأشار إلى أنه يوجد في قطاع غزة 543 مركز إيواء ونزوح، نتيجة ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جريمة التهجير القسري وإجبار الفلسطينيين على النزوح الإجباري من منازلهم وأحيائهم السكنية الآمنة، وهي جريمة مخالفة للقانون الدولي، مشددا على أن أكثر من 74 % من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، وذلك وفقا لفرق التقييم الميداني الحكومية والتي أعلنت عن اهتراء 100,000 خيمة من أصل 135,000، وخروجها بالكامل عن الخدمة وذلك بعد مرور 11 شهرا متواصلا من النزوح بظروف غير إنسانية.
وندد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بجرائم الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة في التهجير القسري للشعب الفلسطيني والنزوح الإجباري من منازلهم واللجوء إلى مناطق غير معدة لاستقبال مئات الآلاف من النازحين، في خيام غير مناسبة وفي مناطق غير إنسانية ولا آمنة.
من جانبها، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، من المعاناة الإضافية التي تحملها معها أمطار الشتاء لأهالي القطاع.
وقالت الأونروا في منشور على منصة «إكس»: «في غزة، تحمل الأمطار الأولى من فصل الشتاء معها المزيد من المعاناة».
وبيّنت أن «حوالي نصف مليون شخص يعيشون في مناطق معرّضة للفيضانات يواجهون خطرا إضافيا».
وأكدت على أنه «مع كل قطرة مطر، وكل قذيفة، وكل قصف، يزداد الوضع سوءًا»، مجددة المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.
وحذرت بلدية مدينة غزة من تفاقم الأمراض وانتشار الأوبئة مع دخول فصل الشتاء، بسبب الاكتظاظ الشديد للنازحين بالمدينة من محافظة الشمال والنقص الحاد في الموارد الأساسية والخدمات في ظل الإبادة الجماعية بغزة التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. جاء ذلك في بيان نشرته البلدية.
وقال البيان إنه مع دخول موسم الشتاء «تتفاقم الأزمات مع نقص الخدمات حول مخيمات ومراكز الإيواء، حيث تتزايد الحاجة للخدمات الأساسية المقدمة من البلدية، بما يشمل خدمات المياه والصرف الصحي»، محذرة من أن الوضع الحالي «قد يؤدي إلى تفاقم الأمراض وانتشار الأوبئة».