يوم الأحد القادم تستضيف دولة الكويت القمة الخليجية الخامسة والأربعين، وللمرة السابعة على أرض تبنت مشروع المجلس عند التأسيس في 25 مايو 1981، ورغم الحديث عن قرب انعقاد هذه القمة التاريخية وأهميتها الاستراتيجية والتحديات التي تواجه المنطقة في قادم الأيام بعد عودة الحزب الجمهوري الأميركي للرئاسة برئاسة دونالد ترامب والحرب الروسية الاوكرانية الغربية، وحرب غزة ولبنان، واستمرار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والوضع في السودان، فإن القمة ستكون ذات أهمية بالغة لانعقادها في هذه الفترة.!
وقد أكملت الكويت الاستعدادات لهذا الحدث، وتتطلع أن تحقق هذه القمة التي تعقد تحت شعار (المستقبل.. خليجي) الأمل المنشود لمسيرة مجلس التعاون، من خلال الاتفاق على مواجهة الأزمات والتحديات العالمية كفريق واحد، وتوطيد العلاقات التاريخية العميقة، فالظروف السياسية التي يمر بها العالم من حروب ساخنة وأزمات اقتصادية واضحة، تحتم على القمة الخروج بقرارات مشتركة تزيد من وحدة وقوة الموقف الخليجي المشترك.
إنجازات مجلس التعاون الخليجي كثيرة في المجال الاقتصادي والتعليمي والأمني والبيئي وغيرها من المجالات، ولكن تسخير قوتنا الاقتصادية والاستثمارية في بلداننا الخليجية أصبح ضرورة أساسية للأمن القومي والغذائي من خلال تبني مشاريع عملاقة كبيرة يكون لها عائد مالي وغذائي على الجميع كما هو في منطقة الدقم العمانية (مصفاة الدقم) بين سلطنة عمان ودولة الكويت، فالرؤية الحقيقية هي في جعل المنظومة الخليجية قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة داخليا وخارجيا.!
دولة الكويت في عهدها الجديد، بدأت ترسم خريطة المستقبل الداخلي، ونتطلع أن تقود رسم خريطة مجلس التعاون الخليجي من خلال نجاحاتها الإقليمية ومكانتها، فالارتقاء بالسياسات والنجاحات كفريق واحد مشترك يصب في إطار الارتقاء بمستوى المواطن والمجتمع الخليجي بشكل واضح، وهذا ما يجعل مجلس التعاون كيانا قويا ومتجانسا في كافة المجالات.
أيام قليلة تفصلنا عن استضافة الكويت للقمة، ولا يختلف اثنان حول أهميتها ولقاء قاداتنا السنوي يثلج الصدر، فنحن نعلم يقينا بأن القمة القادمة ستسهم في دعم أواصر القوى لتحقيق البنيان الذي نتطلع إليه كشعوب خليجية من هذا المجلس وتكريس التضامن والوحدة والشراكة الحقيقية لتحقيق التعاون والسعي نحو الاكتفاء الذاتي.
فالمسيرة المباركة مستمرة، والقمة ليست مجرد اجتماع تقليدي بل تمثل محطة مهمة لرسم مستقبل التكامل الخليجي في مواجهة التحديات القادمة، والانتقال من مرحلة الدراسات والتوصيات، لمرحلة التنفيذ واستغلال المقومات الاستراتيجية والجغرافيا والتكامل في المجالات الاقتصادية وبناء المشاريع العملاقة والتوظيف الخليجي ليكون العمل الخليجي قويا، وهذا ركن أساسي أمام القادة لاتخاذ قرارات في هذه الاتجاه.
وقد شكلت دعوة الكويت لعقد القمة الخليجية مسارا لإيجاد موقف موحد حيال حرب غزة، والتصعيد الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة والجمهورية اللبنانية واحترام سيادة إيران، وقد بذلت دول مجلس التعاون الخليجي جهودا مضنية في هذا الإطار، وهذا لن يتحقق إلا من خلال التكاتف الخليجي العربي، والعمل الجماعي في مواجهة أي أزمة.!
فمنذ انطلاق المؤسسة الخليجية رسميا في 1981 على يد الآباء المؤسسين، والأزمات التي مرت عليه ظل الكيان قويا، فالتحديات الإقليمية والدولية لا تحل الا بالحوار الاستراتيجي الخليجي، وتسهيل التجارة والاستثمار بين دول الخليج ستوفر الأرضية المناسبة لتعزيز العلاقات بين منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، والمضي بها قدماً إلى آفاق أرحب ومستويات تخدم المصالح المشتركة لكافة شعوب دول الخليج.
لذا يمكننا النظر للقمة القادمة من زاوية اقتصادية واستثمارية ودبلوماسية لضبط المسافات والمسارات، فواقع الحال يجعلنا ندرس كل الاحتمالات المستقبلية، مما يعزّز من أهمية التعاون والتكاتف لضمان الأمن والاستقرار الأمني والغذائي والصحي لدولنا الخليجية وتحقيق الاستدامة الدائمة. فالعمل الانفرادي، لن يحقق الهدف المنشود لدولنا وشعوبنا الخليجية، فالنجاج يتطلب تجمعا اقتصاديا قويا كما هو الحال مع الآسيان أو الاتحاد الأوروبي، فالتحديات المتعددة التي تحيط بأمن المنطقة واستقرارها والمتغيرات التي تفرزها التقنيات الحديثة وتطلعات الأجيال الجديدة، نأمل أن تناقش بموضوعية، وكل ذلك يتحقق بسواعدنا جميعا وبمزيد من التنسيق والتكامل والترابط بين دولنا في جميع الميادين لبلوغ الطموحات والآمال المنشودة بعون اللهِ وتوفيقه.
كل التوفيق لدولة الكويت في جهودها لإنجاح القمة، والخروج بقرارات تخدم شعوب دول المجلس والمنطقة والعالم أجمع، فالمستقبل خليجي بإذن الله تعالى.. والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا كاتب ومحلل سياسي عماني
batamira@hotmail.com