كثيرة هي المؤشرات التي توحي بمواجهات قادمة بين نقابات الفلاحين القوية والحكومة التي تحاول أن تمتص الغضب المتصاعد بين صفوفهم. توعدت النقابات الفلاحية ومختلف المنظمات الجهوية المنضوية تحت لوائها الحكومة بحسم المواجهة هذه المرة بسبب انهيار القدرة الشرائية للفلاحين وتحول هذا النشاط إلى نشاط هامشي أمام زحف السلع الأوروبية الشرقية والسلع الأميركية خاصة من البرازيل.

في هذا الإطار تمثل معاهدة «الماركوسور» التي ندد بها أعضاء الحزب الاشتراكي المعارض سواء في البرلمان الأوروبي أو تحت قبة الجمعية العامة العدو الذي تسعى النقابات الفرنسية إلى الإطاحة به. إن تصدّر هذه المعاهدة لحجج اليسار ضد حكومة الرئيس يؤكد البعد السياسي الذي أصبح يلف الاحتجاجات الاجتماعية والمطلبية التي ترى في فترة حكم ماكرون أسوأ فترة عرفتها فرنسا المعاصرة.

على الجانب الآخر يعلم الرئيس وشبكة اليمين المالية التي وراءه أنه يعيش آخر فترات حكمه لذا يحاول قدر الإمكان تمرير ما استطاع من القوانين القادرة على حماية ما حققه لأطول فترة ممكنة. هذه الهزيمة غير المعلنة يفسرها انكشاف التحالف بين اليمين البنكي المالي ممثلا في حكومة ماكرون واليمين المتطرف بقيادة «مارين لوبان» وبقية التفريعات اليمينية العنصرية.

وهو نفس التحالف الذي منع وصول رئيس حكومة يساري رغم الفوز الانتخابي للاشتراكيين في الانتخابات التشريعية الأخيرة وهو الذي قرّر الدفع برئيس الحكومة الحالي «بارنييه» إلى صدارة المشهد. هذا لم يمنع العدالة الفرنسية من تمرير ملف زعيمة اليمين المتطرف إلى العدالة بسبب اختلاسات مالية في ميزانية الاتحاد الأوروبي وإلحاق مستشارين أشباح بمكاتبهم في بروكسل. وهو الأمر الذي قد يترتب عنه منع السيدة «لوبان» من الترشح الانتخابي مدة تفوق سبع سنوات. وقد يكون ذلك سعيا من الدولة العميقة إلى طي صفحة اليمين المتطرف في نسخته القديمة وتفعيل النسخ الجديدة الصاعدة بقيادة «زمور وماريون ماريشال وايريك شيوتي».

إن عودة اضرابات الفلاحين بقوة قد تؤجج الشارع الفرنسي وتعيد نسق احتجاجات السترات الصفراء مستفيدة من الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تعيشها البلاد. فلم يعد المشهد السياسي والحزبي الفرنسي قادرا على امتصاص موجات الغضب المتصاعدة بل إنه قد تحوّل إلى جزء من الأزمة نفسها إن لم يكن جزءها الأكبر والأشد بروزا. ثم إن الحزام الأوروبي الذي كان في فترات سابقة طوق نجاة للاقتصاد والمالية الفرنسية تحوّل اليوم إلى مصدر للنزيف المالي خاصة بعد الحرب الأوكرانية الروسية.