سيحفر تاريخ 27 سبتمر 2024 عميقاً في وجدان اللبنانيين لمجرد ان يتذكّروا اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولن ينسوا 27 نوفمبر من السنة عينها الذي يؤرّخ لانتهاء أطول الحروب مع إسرائيل. وما بين التاريخين هناك من يحصي حجم النكبات التي حلّت بلبنان كل على طريقته، من دون القدرة على رسم وقائع «اليوم التالي»، في ضوء ثلاثية جديدة مفادها «دم ودموع ونزوح» في انتظار ما قد يتغّير. وإلى تلك المرحلة هذه بعض المؤشرات.
سيسيل حبرٌ كثير عند تقييم النتائج التي انتهت اليها العمليات العسكرية وما رافق العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد التوصل إلى وقف العمليات العسكرية فجر الأربعاء الماضي، وبدء احتساب مهلة الايام الستين التي ستُظهر جدّية الأطراف المعنية في تنفيذ ما هو مطلوب من كل منهم قبل بلوغ مرحلة وقف إطلاق النار النهائي وبدء المراحل المقررة على مستوى الخيارات السياسية والديبلوماسية والأمنية التي وضعت حداً لكل الخيارات العسكرية التي يمكن عند قراءة نتائجها اكتشاف ما انتهت اليه من كوارث ونكبات حلّت باللبنانيين، إلى درجة اظهرت وجود ثلاثية جديدة قوامها «الدم والدموع والنزوح».
وهو أمر لا يخضع لأي جدل،- وخصوصاً إن تحول بيزنطياً- فهو سيتحكّم بعقول اللبنانيين عند النقاش فيما انتهت إليه هذه الحرب، وهو ما يمكن ترجمته بشلال الشهداء الذي اقترب من الآلاف الخمسة، وقد يتجاوزه عند اكتشاف هويات من لم يتبين مصيرهم حتى اللحظة.
عدا عن عدد الجرحى والمعوقين الذي قد يتجاوز الـ 20 الفاً إن أُحصي عدد الذين أصيبوا بتفجيرات أجهزة النداء «البايجر» واللاسلكي الـ«ووكي توكي» وصولاً إلى مسلسل الغارات التي حصدت الآلاف منهم، والتي يمكن معاينتها في الجولة التي تشمل مختلف المناطق اللبنانية من أقصى الجنوب إلى الشمال وعمق البقاعين وجبل لبنان حتى بيروت وضاحيتها الجنوبية.
وإن توسعت عملية الإحصاء لا بدّ من انتظار نتائج الدراسات الجارية في أكثر من موقع ومؤسسة إحصائية، لتقدير حجم الخسائر التي يمكن معاينتها في المدن والقرى اللبنانية على مساحة الوطن قبل الوصول إلى مرحلة تقدير الخسائر غير المنظورة التي طاولت ملايين اللبنانيين بلا استثناء كما المقيمين على الأراضي اللبنانية. وهو ما ينسحب على القطاعات الحيوية، الإنسانية، الطبية، الاقتصادية والتربوية، والتي اقترب بعضها من الإفلاس والهلاك، إلى آخر المعزوفة التي تطاول وجوه حياتهم اليومية قبل الوصول إلى أي مقاربة تعني مستقبلهم.
ولا يُنسى في هذا المجال الإشارة إلى انّ التدمير الممنهج قد طاول مساحة تتجاوز الـ 320 كيلومتراً مربعاً من المناطق السكنية والاقتصادية على الأراضي اللبنانية في أقل من شهرين تقريباً ما بين الجنوب والبقاعين والضاحية الجنوبية، وهو رقم اقترب من ان يكون بمساحة قطاع غزة الذي دمّرته إسرائيل في خلال 11 شهراً في العدوان الممتد من السابع من تشرين الأول العام الماضي حتى اليوم، بمساحته المقدّرة بنحو 365 كيلومتراً مربعاً.
كل ذلك تمّ على قاعدة تجاوز ما وفّرته من حماية تحدثت عنها القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية. وهو ما ترجمه العدوان في مختلف المراحل التي تطور فيها منذ عام وشهرين تاريخ اندلاع النزاع في قطاع غزة في 7 أكتوبر / تشرين الأول العام الماضي وتورط بعض اللبنانيين فيه في اليوم التالي.
وإلى هذه المعطيات التي تعطي صورة غير مكتملة لوقائع أطول الحروب الاسرائيلية مع «حزب الله» في لبنان و«حماس» في القطاع انتظاراً لما سيتكشف لاحقاً من حقائق تمسّ العقول وتدمي القلوب.
وفي الحصيلة النهائية التي يمكن الإشارة اليها، تضيف التقارير الدبلوماسية والاستخبارية، أنّ ما هو ثابت أظهر حجم الخرق الموجود في لبنان ومدى مراقبة العدو الاسرائيلي لكل شاردة وواردة في عمق دار المقاومة وهيكليتها وتركيبتها الجهادية، بنحو أذهل الحلفاء قبل الخصوم. وهو أثبت ما كشف عنه يوماً الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين عندما اتهم علناً وبلا أي مواربة كلاً من إسرائيل و«حزب الله» بالاستعداد لهذه الحرب منذ اللحظة التي جمّدت فيها العمليات العسكرية في القرار 1701 في 11 أغسطس / آب 2006 يوماً بيوم وإلى اللحظة التي لم يكن أي منهما يعرفها مسبقاً، والتي فرضتها عملية «طوفان الأقصى» بما شكّلته كطلقة أولى للحرب في تاريخ النزاع الإسرائيلي ـ العربي بمحطاته مع الفلسطينيين واللبنانيين بعدما طويت صفحتها مع دول الطوق في الأردن بعد مصر، قبل ان تتوسع برامج التفاهمات الإبراهيمية التي غيّرت مجرى المواقف من عدو ما زال يتربص بالجميع.
وعليه، يبدو من الصعب اختصار ما جرى على مدى 13 شهراً من «حرب المحورين»، لتختصر نتائجها على الساحة اللبنانية بما يحتسب بين 27 سبتمبر/ أيلول و27 نوفمبر / تشرين الثاني التي غيّرت مجرى الأحداث في لبنان وفتحت الأفق على مشروعين متناقضين. أحدهما ينبئ باحتمال بناء دولة إن صدقت التفاهمات، وآخر بمزيد من الخراب، إن لم نسعَ إلى توحيد فهمنا لما جرى، بإبعاد لبنان عن مكامن الزلازل الكبرى بين محورين قد لا يلتفت أي منهما إلى ما يؤمّن مصلحة لبنان واللبنانيين.الجمهورية اللبنانية