+ A
A -
حمد حسن التميميفي إحدى زيارات الكاتب محمد سلماوي لليابان بقصد إلقاء محاضرة، ركب قطاراً هناك ما بين طوكيو والعاصمة القديمة كيوتو، ويُدعى بـ «قطار الطلقة» «Brain train» الذي يعدُّ أسرع قطار في العالم، حيث تشبه سرعته سرعة طلقة رصاصية.
وعندما كان يقف على رصيد القطار برفقة صديقه الياباني، وهما يحملان تذكرتين تتيحان لهما الجلوس في مقاعد العربة الخضراء، حيث يطلق اليابانيون الألوان على درجات القطار، فلا ترى عندهم كما لدينا مقاعد درجة أولى وثانية وثالثة، بل العربة الخضراء والحمراء والصفراء.
لذلك أشار الصديق الياباني للكاتب محمد بالوقوف في المكان المخصص لباب العربة الخضراء وهما ينتظران قدوم القطار، ولمـــّــا وصل القطار في الموعد المحدد وحدث أن أتى موقع باب العربة الخضراء في المكان المخصص له مع فارق بسيط يبلغ بضع سنتيمترات من حيث يقف الكاتب.
مازح صاحبنا صديقه الياباني وهو يرى التقدم الذي تعيشه اليابان وفي نفسه حسرة على واقعنا العربي قائلاً: كيف يُسمح بهذه الفوضى، أن يقف القطار على بعد سنتميترات مني وليس أمامي بالضبط؟
لم يكن يتصوَّر أن الشاب الياباني لن يفهم مزاحه، حيث احمرّ وجهه خجلاً وبدأ يتأسف له عما حصل، مؤكداً له أنه من النادر حدوث ذلك، كما وعده أنه سيُعلم المسؤولين لتلافي وقوع هذا الخطأ مرة أخرى.
خلال الرحلة التي دامت قرابة 3 ساعات، ظل العاملون في القطار يجيئون الواحد تلو الآخر ليعتذروا من صاحبنا عما جرى، وعندما وصل الصديقان إلى كيوتو، وجد الكاتب محمد مدير المحطة ينتظره في ركن على الرصيف ليعتذر منه على الخطأ الذي حدث في محطة طوكيو، ووعده بألا يتكرر ذلك ثانية.
فأكد الكاتب لصديقه الياباني أنها كانت مجرد مزحة، فبدا الياباني مصعوقاً ومندهشاً، وسأله لماذا يعدُّ أن الأمر مجرد مزحة؟
فأجابه الكاتب محمد لأن ذلك الأمر مسألة اعتيادية بمقاييس بلداننا العربية «دون تعميم»، لذلك فيمكن أن تحدث في أي مكان آخر!
فرد عليه الصديق الياباني: لكن هذا الأمر لا يحدث في اليابان.
ربما يظن المتابع للقصة أن الاعتذار الذي قدمه اليابانيون لابتعاد البوابة بضع سنتيمترات مبالغ فيه، وقد يبدو الأمر ضرباً من الخيال في عالمنا العربي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يعتذر المسؤول في اليابان عن حادث أو موقف أو خطأ بسيط، في حين تُرتكب عشرات الأخطاء الفادحة من قبل مسؤولين في بلداننا العربية، ولا نشهد على ألسنتهم كلمة واحدة فيها اعتذار؟ ولماذا ثقافة الاعتذار حاضرة في حضارة اليابان بينما تكاد تندثر في عالمنا العربي؟
اعتذر اليابانيون عن خطأ بسيط للغاية، فما بالك لو كانت الكهرباء عندهم تنقطع في وقت الذروة، تراه كيف يكون اعتذار مسؤول الكهرباء؟!
ولو كان التعليم ومشكلاته التي لا تعدُّ ولا تحصى حدثت في اليابان تراه كيف يكونن اعتذار مسؤول التعليم؟!
ولو أن حوادث المرور المتكررة بأعدادها المهولة حدثت عندهم، فكيف يكون اعتذار مسؤول الشرطة والمرور؟!
لقد بات الاعتذار مغترباً في وطننا العربي، كأنه شكل من أشكال الرفاهية أحياناً، أو انتقاص من قدر الشخص الذي يعتذر أحياناً أخرى، وأصبح تجميل الواقع وتلميعه شغلنا الشاغل في وسائل الإعلام، عوضاً عن الاعتراف بجوانب التقصير ونقل الحقيقة وعرض المشكلات التي تعترضنا علَّنا نجد لها حلاً.
إن هذه القصة الواقعية التي حدثت مع الكاتب محمد سلماوي على بساطتها، تبين لنا جانباً من جوانب الاختلاف بيننا وبين الشعوب المتقدمة التي تؤمن بثقافة الإصلاح لا بثقافة التجميل، وبثقافة التغيير نحو الأفضل لا بثقافة التعنُّت للمنهجيات التقليدية البالية. فإذا أردنا أن يكون لنا مكان في صدارة الأمم، علينا أن نتعلم من اليابانيين ثقافة الاعتذار، ثقافة الاعتراف بالتقصير، وثقافة العمل على معالجة مواطن الضعف وتحسين الوضع الراهن وحل المشكلات عوضاً عن تجاهلها وعدم الاعتراف بوجودها أصلاً.
وعندما كان يقف على رصيد القطار برفقة صديقه الياباني، وهما يحملان تذكرتين تتيحان لهما الجلوس في مقاعد العربة الخضراء، حيث يطلق اليابانيون الألوان على درجات القطار، فلا ترى عندهم كما لدينا مقاعد درجة أولى وثانية وثالثة، بل العربة الخضراء والحمراء والصفراء.
لذلك أشار الصديق الياباني للكاتب محمد بالوقوف في المكان المخصص لباب العربة الخضراء وهما ينتظران قدوم القطار، ولمـــّــا وصل القطار في الموعد المحدد وحدث أن أتى موقع باب العربة الخضراء في المكان المخصص له مع فارق بسيط يبلغ بضع سنتيمترات من حيث يقف الكاتب.
مازح صاحبنا صديقه الياباني وهو يرى التقدم الذي تعيشه اليابان وفي نفسه حسرة على واقعنا العربي قائلاً: كيف يُسمح بهذه الفوضى، أن يقف القطار على بعد سنتميترات مني وليس أمامي بالضبط؟
لم يكن يتصوَّر أن الشاب الياباني لن يفهم مزاحه، حيث احمرّ وجهه خجلاً وبدأ يتأسف له عما حصل، مؤكداً له أنه من النادر حدوث ذلك، كما وعده أنه سيُعلم المسؤولين لتلافي وقوع هذا الخطأ مرة أخرى.
خلال الرحلة التي دامت قرابة 3 ساعات، ظل العاملون في القطار يجيئون الواحد تلو الآخر ليعتذروا من صاحبنا عما جرى، وعندما وصل الصديقان إلى كيوتو، وجد الكاتب محمد مدير المحطة ينتظره في ركن على الرصيف ليعتذر منه على الخطأ الذي حدث في محطة طوكيو، ووعده بألا يتكرر ذلك ثانية.
فأكد الكاتب لصديقه الياباني أنها كانت مجرد مزحة، فبدا الياباني مصعوقاً ومندهشاً، وسأله لماذا يعدُّ أن الأمر مجرد مزحة؟
فأجابه الكاتب محمد لأن ذلك الأمر مسألة اعتيادية بمقاييس بلداننا العربية «دون تعميم»، لذلك فيمكن أن تحدث في أي مكان آخر!
فرد عليه الصديق الياباني: لكن هذا الأمر لا يحدث في اليابان.
ربما يظن المتابع للقصة أن الاعتذار الذي قدمه اليابانيون لابتعاد البوابة بضع سنتيمترات مبالغ فيه، وقد يبدو الأمر ضرباً من الخيال في عالمنا العربي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يعتذر المسؤول في اليابان عن حادث أو موقف أو خطأ بسيط، في حين تُرتكب عشرات الأخطاء الفادحة من قبل مسؤولين في بلداننا العربية، ولا نشهد على ألسنتهم كلمة واحدة فيها اعتذار؟ ولماذا ثقافة الاعتذار حاضرة في حضارة اليابان بينما تكاد تندثر في عالمنا العربي؟
اعتذر اليابانيون عن خطأ بسيط للغاية، فما بالك لو كانت الكهرباء عندهم تنقطع في وقت الذروة، تراه كيف يكون اعتذار مسؤول الكهرباء؟!
ولو كان التعليم ومشكلاته التي لا تعدُّ ولا تحصى حدثت في اليابان تراه كيف يكونن اعتذار مسؤول التعليم؟!
ولو أن حوادث المرور المتكررة بأعدادها المهولة حدثت عندهم، فكيف يكون اعتذار مسؤول الشرطة والمرور؟!
لقد بات الاعتذار مغترباً في وطننا العربي، كأنه شكل من أشكال الرفاهية أحياناً، أو انتقاص من قدر الشخص الذي يعتذر أحياناً أخرى، وأصبح تجميل الواقع وتلميعه شغلنا الشاغل في وسائل الإعلام، عوضاً عن الاعتراف بجوانب التقصير ونقل الحقيقة وعرض المشكلات التي تعترضنا علَّنا نجد لها حلاً.
إن هذه القصة الواقعية التي حدثت مع الكاتب محمد سلماوي على بساطتها، تبين لنا جانباً من جوانب الاختلاف بيننا وبين الشعوب المتقدمة التي تؤمن بثقافة الإصلاح لا بثقافة التجميل، وبثقافة التغيير نحو الأفضل لا بثقافة التعنُّت للمنهجيات التقليدية البالية. فإذا أردنا أن يكون لنا مكان في صدارة الأمم، علينا أن نتعلم من اليابانيين ثقافة الاعتذار، ثقافة الاعتراف بالتقصير، وثقافة العمل على معالجة مواطن الضعف وتحسين الوضع الراهن وحل المشكلات عوضاً عن تجاهلها وعدم الاعتراف بوجودها أصلاً.