+ A
A -
شتمَ رجلٌ أبا بكرٍ الصديق والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالس، فلم يرُدَّ أبو بكر على الرَّجُل بشيءٍ، فجعلَ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبُ ويتبسَّمُ. فلما زاد الرَّجُلُ في الشتائمِ والوقاحةِ، ردَّ عليه أبو بكر بعضَ قوله، فغضِب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقامَ، فلحقه أبو بكر فقال له: يا رسول الله كان يشتمني وأنتَ جالسٌ، فلمَّا رددتُ عليه بعضَ قوله غضبتَ وقمتَ.
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنه كان معكَ ملكٌ يرُدُّ عنكَ، فلما رددتَ عليه بعضَ قوله، وقعَ الشيطانُ، ولم أكُنْ لأقعدَ مع الشيطان»!
ثم قال: «يا أبا بكر ثلاثٌ كُلُّهُنَّ حقُّ: ما من عبدٍ ظُلم بمظلمةٍ فيغضي عنها (يتجاهلها) لله إلا أعزَّ الله بها نصره، وما فتحَ رجلٌ باب عطِيَّةٍ يُريدُ بها صلةً إلا زاده الله بها كثرةً، وما فتحَ رجلٌ بابَ مسألةٍ يُريدُ بها كثرةً إلا زاده الله عزَّ وجلَّ بها قِلَّةً»!
إذا فشلتَ في رفعِ أحدٍ إلى مستوى أخلاقك فلا تدعْه ينجح في إنزالك إلى مستوى أخلاقه! عندما تُحاربُ خسيساً بسلاحه تتساوى معه، وإن ردَّ البذاءةِ بالبذاءةِ بذاءةٌ أيضاً، ولو أن كل صاحب فضلٍ نزل إلى مستوى سفيهٍ جاء يُباريه لم يبقَ على هذه الأرضِ صاحبُ فضل!
مما يُنسبُ إلى مارك توين قوله: إياكَ أن تُجادل السفهاء، سيُنزلونك إلى مُستواهم الدنيء، ثم يهزمونك بفارقِ الخِبرة!
ويقولُ الإنجليزُ في مثلهم الشعبي: لا تُصارع الخنزير في الوحل، فستتسخَ أنتَ، ويستمتعَ هو، لأن القذارة أسلوب حياته!
ليسَ عليكِ أن تخوضَ كل معركةٍ تُفتح أمامك، ولا أن تشترك في كل جدال تُدعى إليه، ثمة معارك النصر الوحيد فيها أن لا تخوضها منذ البداية! تجاهلْ وتغاضَ فإن التجاهل من خُلق الأنبياء «فأسرَّها يوسف في نفسه ولم يِبدها لهم»!
ويقولُ الإمام أحمد: تسعة أعشار العافية في التغافُل! ويقول الإمام الشافعي: الكيِّس العاقل هو الفطن المُتغابي! ومن قول الشافعي استمدَّ أبو تمام بيته الشهير فقال:
ليسَ الغبيُّ بسيدٍ في قومه
لكنَّ سيِّد قومه المُتغابي!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
13/09/2020
2402