مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل- مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةهذا عنوان ضخم يحتاج إلى منظومة إنتاج ومراكز دراسات، غير أننا في هذا المقال نسعى لتوضيح محددات مهمة، في الموقف من الفكرة السلفية، وهذا الوصف بذاته يورد إشكالاً كبيراً، ما المقصود بالفكرة السلفية هنا؟
فالتعريف العام بالقول إنها ما كان عليه سلف الأمة الصالح، هو عبارة مجملة يتفق عليها المسلمون السُنّة، في حاضر العالم الإسلامي، وحتى بعض المدارس الأخرى، المتفقة في الأصلين، والتي لا تكاد تفترق عن أصول أهل السُنة، كما هي التسمية المنتشرة.
ولذلك فحتى ضبط هذا المعنى في ذاته أي أهل السُنّة، ستجد أن جماعات أُخرجت منه وهي تلتقي على الأصلين، كالمعتزلة والإباضية، في حين عاش تراث الشرق، معارك شرسة، بين من عرفّهم علماء أهل السُنة، بأنهم الأشاعرة والماتوردية وأهل الأثر، أي منهج الإمام أحمد بن حنبل في فروع العقائد، وهو ضابط وقع داخل دائرته، حرب جماعات شرسة، تناوب بعض أطرافها على تحريض المستبد على الخصم العلمي السُنّي، فضلاً عن غيره.
كأحد مؤشرات الخطيئة الكبرى، في تخلف الأمة المبكّر عن وعي رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن هذا التصنيف للديمغرافية المذهبية، يحتاج بذاته إلى إعادة نظر، فالجامع الأدق، هو المدارس الإسلامية، المؤمنة بمرجعية الكتاب والسُنّة روايةً ومقصداً، فيما يُجتهد فيه، والتي نُقلت من خلال الصدر الأول، وصحّت طرقها وحُملت بجمع مشهود، تتفق كلياته مع أصول القرآن وقطعيات الشريعة، الحقيقية لا المزعومة، في خلافات المذاهب التي لا تنتهي.
فما بالنا هنا، ونحن نحرر منهجاً داخل هذه المرجعية ذاتها، وما نُحل من المتأخرين عليها في بعض الأطياف، تجاوز بل أسقط وحدة الجماعة المذهبية، وقطع بعضهم بأن بعضها في النار وأخرجها من الإسلام أو من أهل السُنّة، كما جرى من بعض السلفيات، ومن بعض خصومها.
ومن المؤسف أننا نلحظُ عودةً اليوم، لصراع تراثي عجيب وتكفير متبادل بين هذه المدارس التقليدية، تشمل ما يصطلح عليهم السلف والخلف، في الإرث القديم، وفي الحقيقة أن هذا مؤشر لمرض عميق وعقيم في جسد الأمة، وعائق كبير لنهضة الشرق المسلم، المبتلى بلا حدود بالتخلف، عن مقاصد الإسلام، وتوجيهات النبي الكريم العليا، لتحقيق رسالة العمران للأرض وهداية الإنسان.
ولذلك مع جولة النقد، التي تناولت مصطلح السلفية (الوهابية) و(المدخلية)، فقد تسبب ذلك في تعميم النقد، أو الكراهية لكل مساحة أو انتماء سلفي، وهذه قاعدة غير صحيحة بالمجمل.
فأولاً: فإن نزعة التشدد والغلو لا تختص بها الحالة السلفية، فهذا التشدد والتطرف، قد يكون لجماعات دينية أخرى، أو علمانية تمارس مظهراً مختلفاً للتشدد، ففي حين ارتُكبت خطايا من الضغط السلفي المتشدد، على حياة الإنسان، فقد ضغطت مدارس تقليدية أخرى في هذا السياق، وساهمت في خنق الشباب، وردة فعلهم مدارس دينية أخرى.
كما أن هذا التشدد والتطرف، مورس من جماعات علمانية، في دعم البنية الأمنية للأنظمة، وحوصرت روح الإنسان، واغتيل حلمه في العدالة الاجتماعية عبرها، وأصبحت أكبر مساحة ممارسة هي القمع والاعتقال، ضد كل مصلح إسلامي أو ديمقراطي.
وبالطبع نحنُ نُدرك أهمية توظيف الفكرة الدينية، ودورها السلبي المزدوج، لكن وضع كل المسؤولية على الحالــة الســلفـيــة خاطئ تماماً وظالم، الأمر الآخر أن بعض خطابات التشدد الشعبوي، تُشعَل من أطرافٍ أخرى، خارج البنية العلمية السلفية كلياً، وبعضها لأدوار أمنية سياسية، ويُزج تحتها الطيف الديني المحافظ المتحمس، والذي يجهل ما هي اللعبة التفويجية التي تنفّذ، فيرفع صراخه باسم الفزعة للإسلام وهو يساهم في إسقاط روحه ومفاهيمه.
إن صناعة تكتلات أو أذرع سياسية باسم الدين، أرى أن كفله على الاستبداد أكبر، فهو المصنع وهو الممول وهو الموجه، أما بقية الأذرع فمجرد أدوات، صنع دورها الجهل والغفلة والتخلف في توجهات البنية الدينية، وليس فقط حالة سلفية وهي حالات متعددة، سنعود لها بعون الله.
باحث عربي مستقل- مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةهذا عنوان ضخم يحتاج إلى منظومة إنتاج ومراكز دراسات، غير أننا في هذا المقال نسعى لتوضيح محددات مهمة، في الموقف من الفكرة السلفية، وهذا الوصف بذاته يورد إشكالاً كبيراً، ما المقصود بالفكرة السلفية هنا؟
فالتعريف العام بالقول إنها ما كان عليه سلف الأمة الصالح، هو عبارة مجملة يتفق عليها المسلمون السُنّة، في حاضر العالم الإسلامي، وحتى بعض المدارس الأخرى، المتفقة في الأصلين، والتي لا تكاد تفترق عن أصول أهل السُنة، كما هي التسمية المنتشرة.
ولذلك فحتى ضبط هذا المعنى في ذاته أي أهل السُنّة، ستجد أن جماعات أُخرجت منه وهي تلتقي على الأصلين، كالمعتزلة والإباضية، في حين عاش تراث الشرق، معارك شرسة، بين من عرفّهم علماء أهل السُنة، بأنهم الأشاعرة والماتوردية وأهل الأثر، أي منهج الإمام أحمد بن حنبل في فروع العقائد، وهو ضابط وقع داخل دائرته، حرب جماعات شرسة، تناوب بعض أطرافها على تحريض المستبد على الخصم العلمي السُنّي، فضلاً عن غيره.
كأحد مؤشرات الخطيئة الكبرى، في تخلف الأمة المبكّر عن وعي رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن هذا التصنيف للديمغرافية المذهبية، يحتاج بذاته إلى إعادة نظر، فالجامع الأدق، هو المدارس الإسلامية، المؤمنة بمرجعية الكتاب والسُنّة روايةً ومقصداً، فيما يُجتهد فيه، والتي نُقلت من خلال الصدر الأول، وصحّت طرقها وحُملت بجمع مشهود، تتفق كلياته مع أصول القرآن وقطعيات الشريعة، الحقيقية لا المزعومة، في خلافات المذاهب التي لا تنتهي.
فما بالنا هنا، ونحن نحرر منهجاً داخل هذه المرجعية ذاتها، وما نُحل من المتأخرين عليها في بعض الأطياف، تجاوز بل أسقط وحدة الجماعة المذهبية، وقطع بعضهم بأن بعضها في النار وأخرجها من الإسلام أو من أهل السُنّة، كما جرى من بعض السلفيات، ومن بعض خصومها.
ومن المؤسف أننا نلحظُ عودةً اليوم، لصراع تراثي عجيب وتكفير متبادل بين هذه المدارس التقليدية، تشمل ما يصطلح عليهم السلف والخلف، في الإرث القديم، وفي الحقيقة أن هذا مؤشر لمرض عميق وعقيم في جسد الأمة، وعائق كبير لنهضة الشرق المسلم، المبتلى بلا حدود بالتخلف، عن مقاصد الإسلام، وتوجيهات النبي الكريم العليا، لتحقيق رسالة العمران للأرض وهداية الإنسان.
ولذلك مع جولة النقد، التي تناولت مصطلح السلفية (الوهابية) و(المدخلية)، فقد تسبب ذلك في تعميم النقد، أو الكراهية لكل مساحة أو انتماء سلفي، وهذه قاعدة غير صحيحة بالمجمل.
فأولاً: فإن نزعة التشدد والغلو لا تختص بها الحالة السلفية، فهذا التشدد والتطرف، قد يكون لجماعات دينية أخرى، أو علمانية تمارس مظهراً مختلفاً للتشدد، ففي حين ارتُكبت خطايا من الضغط السلفي المتشدد، على حياة الإنسان، فقد ضغطت مدارس تقليدية أخرى في هذا السياق، وساهمت في خنق الشباب، وردة فعلهم مدارس دينية أخرى.
كما أن هذا التشدد والتطرف، مورس من جماعات علمانية، في دعم البنية الأمنية للأنظمة، وحوصرت روح الإنسان، واغتيل حلمه في العدالة الاجتماعية عبرها، وأصبحت أكبر مساحة ممارسة هي القمع والاعتقال، ضد كل مصلح إسلامي أو ديمقراطي.
وبالطبع نحنُ نُدرك أهمية توظيف الفكرة الدينية، ودورها السلبي المزدوج، لكن وضع كل المسؤولية على الحالــة الســلفـيــة خاطئ تماماً وظالم، الأمر الآخر أن بعض خطابات التشدد الشعبوي، تُشعَل من أطرافٍ أخرى، خارج البنية العلمية السلفية كلياً، وبعضها لأدوار أمنية سياسية، ويُزج تحتها الطيف الديني المحافظ المتحمس، والذي يجهل ما هي اللعبة التفويجية التي تنفّذ، فيرفع صراخه باسم الفزعة للإسلام وهو يساهم في إسقاط روحه ومفاهيمه.
إن صناعة تكتلات أو أذرع سياسية باسم الدين، أرى أن كفله على الاستبداد أكبر، فهو المصنع وهو الممول وهو الموجه، أما بقية الأذرع فمجرد أدوات، صنع دورها الجهل والغفلة والتخلف في توجهات البنية الدينية، وليس فقط حالة سلفية وهي حالات متعددة، سنعود لها بعون الله.