كان لأنس بن مالك خادم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخٌ صغير يُكنَّى «أبو عمير»، وكان من عادة العرب أن تُكني أولادها منذ الصغر، ومنهم من كان يُكنِّي البنات أيضاً وهُنَّ صغيرات! وكان لأبي عُمير طائر صغير يُلاعبه اسمه النُغير. وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جاء إلى بيتِ أبي طلحة ليزور أنسَ ابن مالكٍ في بيته، لاعبَ الطفلَ الصغيرَ قائلاً له: أبا عُمير ما فعلَ النُغَيرُ؟!
كان من عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يزورَ الصحابة في بيوتهم، وهذا من تواضعه، وحِرصه على الإلفة، وجبر الخواطر، وما زال التزاور بين الناس محموداً بضوابط، وهي ألا تزور الناس كثيراً حتى لا يَمَلُّوا منك وحديث «زُرْ غِباً تزدد حباً» فإن كان لا يصح عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فإنه صحيحٌ بالتجربةِ المُعاشةِ، فزُرْ أحبابك وأقرباءك وأصدقاءك ولكن لا تكُنْ لصقةً، فللناسِ مشاغل وكثير الزيارة لا بُدَّ أن يُمَلَّ، على أنّ َالزيارة أجمل ما تكون من الأثرياء والمُتنفِّذين للفُقراء والمساكين في بيوتهم فهذا له أثر طيب على نفسيةِ الزائرِ حيث يُبقيه في دائرة التواضع ويُبعدُه عن الكِبر، وعلى نفسيةِ المُزارِ وما يَلحقُه من جبرِ خاطره، وجبر الخواطر عبادة!
ليسَ عليكَ أن تكون جدِّياً على الدوام، ثقافتك وعلمك ومركزك لا تنقص بتواضعك ولينك وملاطفتك، على العكس تماماً ما يُنقص منها هو أن تتعاملَ مع الجميع بعقلية واحدة، وانظُرْ لِلُطْفِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولينه كيف يُمازح صبياً صغيراً، ويُحدثه ببساطةٍ وبلغةٍ يفهمها، وعن أمرٍ يهتم به وهو أكثر الناس هماً ومسؤولية، وليس في تاريخ البشرية من وظيفة أصعب من وظائف الأنبياء!
قد تتحدث زوجتك معكَ بأمرٍ تراه تافهاً، ما لكَ أنتَ ولطبخةِ الغدِ، أو لمسحوقِ الغسيلِ الذي لا يُنظِّفُ جيداً، أو لمدى مناسبة لون الستائر للغرفة، ولكن عليكَ أن تُبدي اهتماماً وتُعطي رأيكَ كأن الأمر يعنيك، وكأنه قضية مفصلية من قضايا الأُمَّة الشائكة، وأي تصرُّف غير هذا هو حماقة!
أحياناً على الإنسان أن ينزلَ بإرادته إلى أدنى مستوياتِ العقلِ ليصلَ إلى أعلى مستويات القلب عند الآخرين!
الغِنى الذي لا يُزينه التواضع هو فقرٌ آخر، والعِلمُ الذي لا يجعلك قريباً من الناس هو جهلٌ آخر، شهادتك وثروتك ومركزك هذه أشياء لكَ وحدكَ أما أخلاقكَ فهي للناس!
بقلم: أدهم شرقاوي