شغلَ الحافظُ بن حجر المقدسي منصبَ قاضيَ القضاة، فمرَّ في طريقه إلى دار القضاء بالسوق في موكب عظيم، وهيئة جميلة، يقتضيها هذا المنصب الذي يُعتبر بمقياس زماننا جامعاً بين وزير العدل ورئيس المحكمة الدستورية العليا! فاقتحمَ موكبه بائع زيتٍ يهوديٍّ فقيرٍ، ثيابه مُلطخة بالزيت، وهيئته رثَّة، فأمسكَ بلجام فرس ابن حجر وقال له: يا شيخ الإسلام، تزعمُ أن نبيكم قال: «الدنيا سِجن المؤمن وجَنة الكافر» فأي سجن أنتَ فيه، وأي جنةٍ أنا فيها؟!
فقال له ابن حجر: أنا بالنسبة لما أعدَّه الله لي في الآخرة من نعيم كأني الآن في سِجن، وأنتَ بالنسبة لما أعدَّه الله لكَ في الآخرة من العذاب كأنك في جَنَّة!
فأسلمَ اليهودي من فوره، والقصة رواها المناوي في فيض القدير.
وقول ابن حجر هذا هو أحد التفسيرات الجميلة لهذا الحديث النبوي الشريف، على أننا لو نظرنا إلى حياة المؤمنين لوجدنا معنى آخر وهو أن حدود الله تُكبلهم، فالمؤمن يُقيده الحلال والحرام!
تتزين أمامه الشهوات التي يميل إليها بفطرته ونزعته الإنسانية فلا يُقدم عليها لأن روحه مكبلة بقيد التقوى!
ويسهلُ عليه جمعُ المال من الحرام، فيبحث عن الحلال الذي قد يكون أصعب بكثير من الحرام لأن يديه مُكبلتان بقيد خشية الله!
والعباداتُ قيدٌ كذلك وفيها مشقة، فصلاةُ الفجر شاقة، والصيامُ مُتعب، والحجُّ مُضنٍ، وكلمةُ الحق خطرة، والمالُ عزيز، والعِفةُ تحتاج إلى مُجاهدة، والأمانةُ أصعب من الخيانة، وغضُّ البصر خِلاف الهوى، والنفسُ أمَّارة بالسوء، وطريقُ الجنة شائكة بينما طريق النار مُعبَّدة!
على المقلب الآخر تجدُ الكافر حرٌّ طليق! لا آية تزجره عن الرِّبا، ولا سورة المطففين تضبط ميزانه، وآداب سورة الحجرات لا تدخل ضمن حساباته، لا وضوء بالماء البارد، ولا صلاة فجر تُوقظه من أحلى لحظات نومه، ولا صيام يقطع عليه طعامه وشهوته، أحاديث بِر الوالدين ليست في منظومته، والإحسان إلى الجار مُجرد عادة اجتماعية محمودة إن فعلها كان به وإن لم يفعلها فلا قانون يُحاسبه على تركها!
ويا لقيد الإيمان ما أجمله، ويا لانفلات الغرائز ما أتعسه، فهنيئاً لمن عاش سجنه برضى ربه، ويا تعسَ من حرَّرَ نفسه من قيد خالقه فقيّد نفسه بقيد شهوته!بقلم: أدهم شرقاوي
فقال له ابن حجر: أنا بالنسبة لما أعدَّه الله لي في الآخرة من نعيم كأني الآن في سِجن، وأنتَ بالنسبة لما أعدَّه الله لكَ في الآخرة من العذاب كأنك في جَنَّة!
فأسلمَ اليهودي من فوره، والقصة رواها المناوي في فيض القدير.
وقول ابن حجر هذا هو أحد التفسيرات الجميلة لهذا الحديث النبوي الشريف، على أننا لو نظرنا إلى حياة المؤمنين لوجدنا معنى آخر وهو أن حدود الله تُكبلهم، فالمؤمن يُقيده الحلال والحرام!
تتزين أمامه الشهوات التي يميل إليها بفطرته ونزعته الإنسانية فلا يُقدم عليها لأن روحه مكبلة بقيد التقوى!
ويسهلُ عليه جمعُ المال من الحرام، فيبحث عن الحلال الذي قد يكون أصعب بكثير من الحرام لأن يديه مُكبلتان بقيد خشية الله!
والعباداتُ قيدٌ كذلك وفيها مشقة، فصلاةُ الفجر شاقة، والصيامُ مُتعب، والحجُّ مُضنٍ، وكلمةُ الحق خطرة، والمالُ عزيز، والعِفةُ تحتاج إلى مُجاهدة، والأمانةُ أصعب من الخيانة، وغضُّ البصر خِلاف الهوى، والنفسُ أمَّارة بالسوء، وطريقُ الجنة شائكة بينما طريق النار مُعبَّدة!
على المقلب الآخر تجدُ الكافر حرٌّ طليق! لا آية تزجره عن الرِّبا، ولا سورة المطففين تضبط ميزانه، وآداب سورة الحجرات لا تدخل ضمن حساباته، لا وضوء بالماء البارد، ولا صلاة فجر تُوقظه من أحلى لحظات نومه، ولا صيام يقطع عليه طعامه وشهوته، أحاديث بِر الوالدين ليست في منظومته، والإحسان إلى الجار مُجرد عادة اجتماعية محمودة إن فعلها كان به وإن لم يفعلها فلا قانون يُحاسبه على تركها!
ويا لقيد الإيمان ما أجمله، ويا لانفلات الغرائز ما أتعسه، فهنيئاً لمن عاش سجنه برضى ربه، ويا تعسَ من حرَّرَ نفسه من قيد خالقه فقيّد نفسه بقيد شهوته!بقلم: أدهم شرقاوي