مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةإن لعبة الاستبداد هي من ضيّق التطور المقاصدي، الطبيعي لعلاقات القوميات والمذاهب، داخل إطار أقاليم الأمة، والتخلف المذهبي والديني يتأثر دوماً بمركزية الحكم، ولذلك نُلاحظ تلاعب الأمويين على سبيل المثال، بفكرة النزاع المذهبي، واستثماره في مواجهة الموقف من إنصاف آل البيت، وخطيئة بني أمية الكبرى ضد الإمام علي والحكم الانتخابي، ثم استثمار ذات اللعبة، في الصراع لصالح ثورة العباسيين وتبرير مجازرهم ومظالمهم باسم حق آل البيت.
وهكذا تؤسّس جغرافيا صراع عبر المستبد القديم، من العهد الأموي إلى العثماني، الذي طوّرها في صراعه الذاتي، بين هيكل دولة السلطنة مع منظومة الحكم الإداري التابع بها، وبين السلطنة والقوميات، في حين كادت أن تموت هذه اللعبة في عهد عمر بن عبد العزيز، لنبذه لهذا الخبث السياسي باسم الدين، وطهرانية حكمه الرشيد، المجمع عليه من السلف والخلف دون سواه من بعد الخلفاء الراشدين.
ولذلك فرزنا هذه اللعبة أيضاً في الموقف من الحالة السلفية، باعتبار أنه لا يجوز أن تحاكم كل أطيافها، بسبب وسيلة تم تنفيذها على غير الحالة السلفية، في ذات الوقت فإن الموقف من كل تطرّف، أو تشريعات تؤدي إلى استباحة كرامة الإنسان، هي محل إدانة أكانت سلفية أم عثمانية أو أي توظيف ديني قديم وحديث لها.
أما في الفكرة الأصلية للحالة السلفية فنلاحظ مسارين مهميّن، الأول هو ما يتردد في مصطلحات أهل السُنّة بقولهم حماية جناب التوحيد، هذا المعنى الذي يتردد مقصده متوحداً مع الموقف السلفي، حتى في بعض مدارس وتيارات الإصلاح الصوفية، وعبر قاعدتهم (لا حقيقة إلا تحت سقف الشريعة)، يُقصد به رفض الخروج من مدار التقدير والحب والتولّه، للأنبياء والأولياء من حالة التعظيم المنضبط، إلى التماهي مع طبيعة التصور والقدرة للإله الخالق الموحّد، وهي أساس في معادلة الفكرة الإسلامية القطعية، التي قامت عليها أصول رسالة الأنبياء.
إن الإشكال الذي مثّلته، الدعوة الوهابية (وسنعود مستقبلاً لمفهوم انصاف مجتمعاتها وشعوبها) هو المبالغة الشرسة، والحروب العسكرية والسياسية التي وقعت تحت دعوة حماية هذا المفهوم، وحماية الاجتهاد في النص، من خلال إسقاط (الوهابية) لتاريخ التشريع الإسلامي واعتباره محور ضلال حتمي موجب للمواجهة، وأن الدين عاد من جديد عبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولذلك اختلط الأمرُ على مؤيدي الدعوة في البداية في أقطار العالم الإسلامي.
لكونهم عايشوا كوارث التقديس لمفهوم الأولياء والولاية، التي كرستها الحالة الصوفية المنحرفة، من عزل العقل وتنميط الخرافة وتحويلها لأجواء روح تعبدية، فيما الروح الصوفية في اعتدالها تمثل، حالةً من التوازن النفسي والفطري، بل والوعي العقلي بالخلق والخالق، وكذلك أخلاق الذات وملاومتها سلوكياً وروحياً، كل ذلك قد ضعف أمام بنية الخرافة، وهي التي يسعى المستبدون والمشروع الغربي اليوم لإحيائها، وليس إحياء علم التصوف الحقيقي الذي تحتاجه الأمة، بل الذي قاد مقاومتها للاستقلال في قرنين من الزمان.
إذن هذا المفهوم بالتذكير بقاعدة التوحيد ليس خللاً، تنتجه السلفية في أصول الإسلام، وإنما هو جذرٌ شرعي تؤسس عليه قواعد فهم الرسالة، وتحريرها مما يعلق بها، ولذك كانت محل اهتمام من الباحثين والفلاسفة الغربيين، بغض النظر عن مسألة التداخل في توظيف هذا المفهوم، بين الإنصاف العلمي، والصنيعة الصراعية السياسية المتعددة، وآثارها في المواجهات الكارثية، داخل حاضر العالم الإسلامي. أما المسار الثاني للحالة السلفية، فهو الاعتناء بالنص وعدم الوقوف أمام التراكمية التراثية، التي تُنقل مصمتةً عن متقدم ثم متأخر يتبع متأخر، فيُسلسل الفقه والأحكام، في ظل تبعية تقليد جامدة، لا مذهبية حرة تناقش أصل الاستدلال، فالمقاصدية السلفية ساهمت إيجابياً في تحرير العقل، ولولا التوظيف السياسي العسكري، باسمها لبقيت تصعد مشاركة بقية مدارس الأمة، ممثلة لحالة توازن ضرورية.
إذن فنحن اليوم بحاجة إلى تحرير هذين المسارين، لصالح الفكرة السلفية ذاتها، ليس بالضرورة لتفرّدها، ولكن لكونها قد اشتغلت ببعث هذا المنهج المقاصدي للرسالة، وروح العقل الشرعي والفطرة، في زمن التخلف الكبير.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةإن لعبة الاستبداد هي من ضيّق التطور المقاصدي، الطبيعي لعلاقات القوميات والمذاهب، داخل إطار أقاليم الأمة، والتخلف المذهبي والديني يتأثر دوماً بمركزية الحكم، ولذلك نُلاحظ تلاعب الأمويين على سبيل المثال، بفكرة النزاع المذهبي، واستثماره في مواجهة الموقف من إنصاف آل البيت، وخطيئة بني أمية الكبرى ضد الإمام علي والحكم الانتخابي، ثم استثمار ذات اللعبة، في الصراع لصالح ثورة العباسيين وتبرير مجازرهم ومظالمهم باسم حق آل البيت.
وهكذا تؤسّس جغرافيا صراع عبر المستبد القديم، من العهد الأموي إلى العثماني، الذي طوّرها في صراعه الذاتي، بين هيكل دولة السلطنة مع منظومة الحكم الإداري التابع بها، وبين السلطنة والقوميات، في حين كادت أن تموت هذه اللعبة في عهد عمر بن عبد العزيز، لنبذه لهذا الخبث السياسي باسم الدين، وطهرانية حكمه الرشيد، المجمع عليه من السلف والخلف دون سواه من بعد الخلفاء الراشدين.
ولذلك فرزنا هذه اللعبة أيضاً في الموقف من الحالة السلفية، باعتبار أنه لا يجوز أن تحاكم كل أطيافها، بسبب وسيلة تم تنفيذها على غير الحالة السلفية، في ذات الوقت فإن الموقف من كل تطرّف، أو تشريعات تؤدي إلى استباحة كرامة الإنسان، هي محل إدانة أكانت سلفية أم عثمانية أو أي توظيف ديني قديم وحديث لها.
أما في الفكرة الأصلية للحالة السلفية فنلاحظ مسارين مهميّن، الأول هو ما يتردد في مصطلحات أهل السُنّة بقولهم حماية جناب التوحيد، هذا المعنى الذي يتردد مقصده متوحداً مع الموقف السلفي، حتى في بعض مدارس وتيارات الإصلاح الصوفية، وعبر قاعدتهم (لا حقيقة إلا تحت سقف الشريعة)، يُقصد به رفض الخروج من مدار التقدير والحب والتولّه، للأنبياء والأولياء من حالة التعظيم المنضبط، إلى التماهي مع طبيعة التصور والقدرة للإله الخالق الموحّد، وهي أساس في معادلة الفكرة الإسلامية القطعية، التي قامت عليها أصول رسالة الأنبياء.
إن الإشكال الذي مثّلته، الدعوة الوهابية (وسنعود مستقبلاً لمفهوم انصاف مجتمعاتها وشعوبها) هو المبالغة الشرسة، والحروب العسكرية والسياسية التي وقعت تحت دعوة حماية هذا المفهوم، وحماية الاجتهاد في النص، من خلال إسقاط (الوهابية) لتاريخ التشريع الإسلامي واعتباره محور ضلال حتمي موجب للمواجهة، وأن الدين عاد من جديد عبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولذلك اختلط الأمرُ على مؤيدي الدعوة في البداية في أقطار العالم الإسلامي.
لكونهم عايشوا كوارث التقديس لمفهوم الأولياء والولاية، التي كرستها الحالة الصوفية المنحرفة، من عزل العقل وتنميط الخرافة وتحويلها لأجواء روح تعبدية، فيما الروح الصوفية في اعتدالها تمثل، حالةً من التوازن النفسي والفطري، بل والوعي العقلي بالخلق والخالق، وكذلك أخلاق الذات وملاومتها سلوكياً وروحياً، كل ذلك قد ضعف أمام بنية الخرافة، وهي التي يسعى المستبدون والمشروع الغربي اليوم لإحيائها، وليس إحياء علم التصوف الحقيقي الذي تحتاجه الأمة، بل الذي قاد مقاومتها للاستقلال في قرنين من الزمان.
إذن هذا المفهوم بالتذكير بقاعدة التوحيد ليس خللاً، تنتجه السلفية في أصول الإسلام، وإنما هو جذرٌ شرعي تؤسس عليه قواعد فهم الرسالة، وتحريرها مما يعلق بها، ولذك كانت محل اهتمام من الباحثين والفلاسفة الغربيين، بغض النظر عن مسألة التداخل في توظيف هذا المفهوم، بين الإنصاف العلمي، والصنيعة الصراعية السياسية المتعددة، وآثارها في المواجهات الكارثية، داخل حاضر العالم الإسلامي. أما المسار الثاني للحالة السلفية، فهو الاعتناء بالنص وعدم الوقوف أمام التراكمية التراثية، التي تُنقل مصمتةً عن متقدم ثم متأخر يتبع متأخر، فيُسلسل الفقه والأحكام، في ظل تبعية تقليد جامدة، لا مذهبية حرة تناقش أصل الاستدلال، فالمقاصدية السلفية ساهمت إيجابياً في تحرير العقل، ولولا التوظيف السياسي العسكري، باسمها لبقيت تصعد مشاركة بقية مدارس الأمة، ممثلة لحالة توازن ضرورية.
إذن فنحن اليوم بحاجة إلى تحرير هذين المسارين، لصالح الفكرة السلفية ذاتها، ليس بالضرورة لتفرّدها، ولكن لكونها قد اشتغلت ببعث هذا المنهج المقاصدي للرسالة، وروح العقل الشرعي والفطرة، في زمن التخلف الكبير.