مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةرغم أن عمر الشيخ صباح الأحمد رحمه الله كان متقدماً وحالته الصحية كانت مشهودة بسبب ظروف العمر ووضعه الطبي، إلا أن القلق قد استبق رحيله، ولسنا هنا في طور استعراض حياة الشيخ صباح كأحد أبرز شخصيات الأسرة الأميرية، وأكثرها حضوراً لأربعة عقود، حين يقاس وجوده في مركزية الحكم وغرفة العمليات الرئيسية للدولة، وبالتالي يبدو رحيله طياً لصفحة جيل أو عهدة لأمارة الكويت، لطبيعة الأوضاع والنشاط الذي عاصره، وتقلب الظروف منذ ذلك الزمن حتى اليوم. وقد تولى الشيخ نواف الأحمد الإمارة الأسبوع المنصرم، وهو الذي عاصر جيل الشيخ صباح، كما أن روح التضامن بين الشعب الكويتي والأسرة الأميرية تعود إلى أسباب تاريخية رغم الشد والجذب بين المعارضة البرلمانية ومعارضة التجار قديما، إلا أن الجميع حرص على التمسك بهذه الروح في التوافق على الإمارة الدستورية، بدلاً من التحول إلى الحكم الشمولي المطلق، والذي في حالة الكويت قد يسبب متاعب كبرى لها داخليا وخارجيا. وبالطبع فإن هذا الهامش الديمقراطي، الغائب في بقية دول الخليج العربي، إلا أنهُ يحمل فارقاً مهماً، ينظم حركة المجتمع الكويتي مع الدولة والأسرة، وقد كان هذا الهامش بذاته محل استهداف من قبل محور أبوظبي. ولذلك فإن هذا الملف وهو تحييد التدخلات الخليجية التي باتت اليوم أقرب من التحديات الإقليمية، فضلاً عن إشكالية وضع الكويت في ظل خطط واشنطن لإعادة نشر قواتها، مع تزامن أوضاع العراق المضطربة بين المشروع المدني المقموع وبين مساحة تسعى واشنطن لانتزاعها، دون أن تتمكن من تغيير قواعد اللعبة في أرض العراق، وبالتالي ينعكس هذا التوتر على حدود الكويت. لقد استمر الموقف المترصد للكويت بسبب موقفها من الأزمة الخليجية، وهامشها الديمقراطي المحدود، في حفز محور أبوظبي، والإصرار على تغيير المنظومة الاجتماعية السياسية في الكويت، وهو نوع من التدخل السافر الخطير. وقد صنع موقف الشيخ صباح الأحمد في قلب تطورات الأزمة حدثاً فارقاً في كسر التهديدات العسكرية التي وُجهت ضد قطر، وكان خطابه لدى البيت الأبيض وتعمّده ذكر هذا التهديد العسكري إشارةً لوضع الرئيس الأميركي تحت المسؤولية وإسناد موقف المؤسسات المخالفة لترامب، وهو موقف سيبقى مسجلا في ذاكرة الشعب العربي في الخليج لأبي ناصر رحمه الله، ليس لأجل الشعب القطري فقط، بل كل المنطقة التي كان سيزج بها في كارثة جديدة، فتعزز خسائر الخليج العربي منذ استثمارات الغرب الكارثية، لحماقة الغزو العراقي 1990م. إن تنظيم هذا الملف يعتمد على بعديه المتداخلين، الأمن الاجتماعي السياسي الذي تحتاجه الكويت، كضرورة عبر خلق توازنات داخلية تفتح الباب لتعزيز العقد الاجتماعي، بحيث تقوم مصالحة وطنية على الأرض في الكويت، وفي ذات الوقت تنظيم بنية العلاقات بداً مع المحيط الخليجي، ودفعها نحو توازنات أكثر استقراراً وحماية للمصالح الوطنية. وربما أن الكويت تحتاج إلى بناء سلة توازنات استراتيجية خارج المظلة الغربية، وقد كانت هناك مفاوضات مع تركيا، غير أن حَفز الرياض الشديد اليوم قد يمنعها من التقدم لهذه المساحة، إضافة إلى لغة خطاب الإسلاميين الحاشدة في العلاقة مع تركيا الجديدة، لكن يبقى أن المربع الحالي للكويت لا يكفي لتأمين مساحة توازن أمن قومي، وإن كان التعاقد الداخلي هو أصل كل أمان.
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةرغم أن عمر الشيخ صباح الأحمد رحمه الله كان متقدماً وحالته الصحية كانت مشهودة بسبب ظروف العمر ووضعه الطبي، إلا أن القلق قد استبق رحيله، ولسنا هنا في طور استعراض حياة الشيخ صباح كأحد أبرز شخصيات الأسرة الأميرية، وأكثرها حضوراً لأربعة عقود، حين يقاس وجوده في مركزية الحكم وغرفة العمليات الرئيسية للدولة، وبالتالي يبدو رحيله طياً لصفحة جيل أو عهدة لأمارة الكويت، لطبيعة الأوضاع والنشاط الذي عاصره، وتقلب الظروف منذ ذلك الزمن حتى اليوم. وقد تولى الشيخ نواف الأحمد الإمارة الأسبوع المنصرم، وهو الذي عاصر جيل الشيخ صباح، كما أن روح التضامن بين الشعب الكويتي والأسرة الأميرية تعود إلى أسباب تاريخية رغم الشد والجذب بين المعارضة البرلمانية ومعارضة التجار قديما، إلا أن الجميع حرص على التمسك بهذه الروح في التوافق على الإمارة الدستورية، بدلاً من التحول إلى الحكم الشمولي المطلق، والذي في حالة الكويت قد يسبب متاعب كبرى لها داخليا وخارجيا. وبالطبع فإن هذا الهامش الديمقراطي، الغائب في بقية دول الخليج العربي، إلا أنهُ يحمل فارقاً مهماً، ينظم حركة المجتمع الكويتي مع الدولة والأسرة، وقد كان هذا الهامش بذاته محل استهداف من قبل محور أبوظبي. ولذلك فإن هذا الملف وهو تحييد التدخلات الخليجية التي باتت اليوم أقرب من التحديات الإقليمية، فضلاً عن إشكالية وضع الكويت في ظل خطط واشنطن لإعادة نشر قواتها، مع تزامن أوضاع العراق المضطربة بين المشروع المدني المقموع وبين مساحة تسعى واشنطن لانتزاعها، دون أن تتمكن من تغيير قواعد اللعبة في أرض العراق، وبالتالي ينعكس هذا التوتر على حدود الكويت. لقد استمر الموقف المترصد للكويت بسبب موقفها من الأزمة الخليجية، وهامشها الديمقراطي المحدود، في حفز محور أبوظبي، والإصرار على تغيير المنظومة الاجتماعية السياسية في الكويت، وهو نوع من التدخل السافر الخطير. وقد صنع موقف الشيخ صباح الأحمد في قلب تطورات الأزمة حدثاً فارقاً في كسر التهديدات العسكرية التي وُجهت ضد قطر، وكان خطابه لدى البيت الأبيض وتعمّده ذكر هذا التهديد العسكري إشارةً لوضع الرئيس الأميركي تحت المسؤولية وإسناد موقف المؤسسات المخالفة لترامب، وهو موقف سيبقى مسجلا في ذاكرة الشعب العربي في الخليج لأبي ناصر رحمه الله، ليس لأجل الشعب القطري فقط، بل كل المنطقة التي كان سيزج بها في كارثة جديدة، فتعزز خسائر الخليج العربي منذ استثمارات الغرب الكارثية، لحماقة الغزو العراقي 1990م. إن تنظيم هذا الملف يعتمد على بعديه المتداخلين، الأمن الاجتماعي السياسي الذي تحتاجه الكويت، كضرورة عبر خلق توازنات داخلية تفتح الباب لتعزيز العقد الاجتماعي، بحيث تقوم مصالحة وطنية على الأرض في الكويت، وفي ذات الوقت تنظيم بنية العلاقات بداً مع المحيط الخليجي، ودفعها نحو توازنات أكثر استقراراً وحماية للمصالح الوطنية. وربما أن الكويت تحتاج إلى بناء سلة توازنات استراتيجية خارج المظلة الغربية، وقد كانت هناك مفاوضات مع تركيا، غير أن حَفز الرياض الشديد اليوم قد يمنعها من التقدم لهذه المساحة، إضافة إلى لغة خطاب الإسلاميين الحاشدة في العلاقة مع تركيا الجديدة، لكن يبقى أن المربع الحالي للكويت لا يكفي لتأمين مساحة توازن أمن قومي، وإن كان التعاقد الداخلي هو أصل كل أمان.