دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بستاناً لأُناسٍ من الأنصار فإذا فيه جَملٌ، فلما رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حنَّ وذَرفَتْ عيناه! فاقتربَ منه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومسحَ على رأسه حتى سكتَ، ثم قال: لمن هذا الجمل؟
فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله!
فقال له: «أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي ملَّكَكَ الله إياها، فإنه شكا إلىَّ أنك تُجوِّعه وتدئبه/تتعبه»!
البشريةُ التي تُحاضِرُ اليوم فينا في حقوق الإنسان كُنَّا قبل ألفٍ وأربعمائة سنة نُحاضِرُ فيها في حقوق الحيوان! يوم التزمنا بديننا فهانَ لأجله كل شيءٍ، ورخصَتْ له الدماء والأموال والأوقات، حكمنا العالم كله بالعدلِ وقُدنا دفة البشرية، ويوم فرَّطنا فيه صرنا في ذيلِ الحضارةِ وتخلَّفْنا عن الركب، ولن يصلحَ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها: كتاب الله وسنة رسوله!
إنَّ أحبَّ أسماء الله إليه هو الرحمن، وأحبَّ عباده إليه هم الرُّحماء، الرُّحماء على البشرِ والدوابِ والشجر! وإن من أجمل الأرزاق التي يسوقُها الله إلى عبده هو لين القلب على المخلوقات، لأن من لا يَرحم لا يُرحم!
لم يرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يجوعَ الجمل فلا يأخذ حظّه من الطعام، وأن يتعبَ ويُحملَ عليه ما لا يُطيق، هذا الدين الذي رفع أتباعه إلى أعلى مراتب الإنسانية حثَّهم على الرحمةِ بالحيوان فما بالك بالناس!
وحين يُحدِّثُنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن المرأة التي دخلت النار في هرةٍ حبسَتْها حتى ماتتْ، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكلُ من خشاش الأرض، فَلِيُعلِّمَنا احترام الأرواح والأنفس حتى ولو كانتْ للبهائم!
وحين يُحدِّثُنا عن الرجل الذي كان يمشي، فاشتدَّ عليه العطش، فنزلَ بئراً فشربَ منها ثم خرجَ فإذا هو بكلبٍ يلهثُ ويأكلُ التراب الندي الرطب من العطش، فقالَ في نفسه لقد بلغَ هذا مثل الذي بلغَ بي، فملأ خُفَّه/حذاءه ثم أمسكه بفمه وصعدَ حتى سقى القلب، فشكرَ الله له وغفرَ له، لِيُعلِّمَنا أن من عاملَ المخلوقات بصفةٍ عامله الله بها، من رَحِمَ رُحِمَ، ومن قسا عُوقِب!
روى الذهبيُّ أن مسعود الهمذاني كان رجُلاً يُحِبُّ العفو والصفح، وكان يُرغِّب به، ويدعو إليه، وإذا جاءه من يعتذِرُ منه، عفا عنه وقال له: الماضي لا يُذكر!
توفي مسعود، ورُئِي في المنام، فقيل له: ما فعلَ الله بك؟
فقال: أوقفني بين يديه وقال لي: الماضي لا يُذكر! خذوه إلى الجنَّة!
بقلم: أدهم شرقاوي