داليا الحديدي
كاتبة مصرية
ولدت آنا ماري في الستينيات من القرن الثامن عشر.. وقد تزوجت صغيرة من فلاح أميركي كان يحتاج مساعدتها، فعملت معه في الفلاحة لتعينه على أعباء الحياة.. فقد أهدته حياتها وأنجبت له البنين والبنات.. ثم رحل زوجها بعد حياة حافلة كانت له فيها نعم الزوجة وكانت تراه نعم الرفيق والمستشار، فقد كانت تهوى الرسم وتعرض عليه لوحاتها، فنصحها بترك الفرشاة لأنها لا تصلح سوى للفلاحة.. فشكرت له نصيحته.
وفي يوم تعطلت سيارة أحد المخرجين السينمائيين، فطرق باب السيدة العجوز وهي في السبعين واستأذن منها إجراء مكالمة هاتفية وبعد أن أتم مكالمته وقع نظره على لوحات فنية كثيرة معلقة في جدار كوخها، فأعجب بها وبطريقة رسمها الفريدة
وسألها مندهشا: من رسمها؟
فأجابت العجوز: أنا
فسألها إن كانت قد حاولت أن تعرض لوحاتها في معارض فنية؟
فقالت: لا.. إن زوجي الراحل قال لي إنني لا أصلح إلا للمنزل ولتربية الأبناء فقط! فلم أخالفه كي لا أفشل في الرسم! ولكني بقيت أحب الرسم وإلى الآن أنفذ تعليماته بأن أرسم لنفسي فقط.
فاستأذنها الرجل بأخذ بعض لوحاتها وعرضها على مجموعة من المتخصصين والنقاد وأصحاب المعارض.. فوافقت.
المفاجأة المدهشة التي قلبت حياتها ان اللوحات حققت مبيعات مذهلة حيث بيعت إحدى لوحاتها بـ 150 ألف دولار بعد عرضها في مزاد بمدينة نيويورك، كما تتواجد لوحاتها في متاحف اللوفر بفرنسا.
وأصبحت آنا ماري فجأة وهي في سن السبعين من أشهر الفنانين وعاشت بعدها 31 عاماً لتشهد نجاحها كفنانة مرموقة حتى وصلت لسن المائة عام كما تخطته وقد شهد العالم نجاحها المدوي فنيا وأدبيا.
فقد بيعت إحدى لوحاتها بمبلغ 1.2 مليون دولار سنة 2006 وتعرض لوحاتها اليوم كمقتنيات في متحف اللوفر بـباريس وبلازا في نيويورك.
إنها آنا ماري روبرتسون موسى التي ولدت في السابع من سبتمبر 1860 ورحلت في ديسمبر من عام 1961.
يبدو أنه من الصعب أن يرى الإنسان ضمائر الأقربين والأصعب ان تفهم ان من تحسبه قريبا أو ناصحا أمينا أو حتى أهلك ما هو الا رجل يغار من نجاحك فيقوم بعمل غسيل مخ كي لا ترى في نفسك أي أهلية لقدراتك سوى ان تكون فلاحا أو ربة منزل كي لا تخرج من حظيرته.
إنه ليس من أهلك.. انه إنسان غير صالح لقرابتك.
صدق نفسك أولا.. صدق موهبتك.. صدق قدراتك وضاعف جهدك واسأل الله ان يعبر طريقك يوما عابر سبيل ينقذ لك موهبتك من الموت.