تخبرنا التجارب السابقة في سقوط الأنظمة، ولا سيما الدكتاتورية منها، أن سقوط النظام ليس النهاية، وإنما بداية مرحلة جديدة مختلفة تماماً وبتحديات جديدة عديدة.
في مقدمة تلك التحديات إدارة الفترة الانتقالية، والمرور نحو تأسيس نظام جديد، وكيفية إدارة المؤسسات وتقديم الخدمات من قبل من كانوا حتى اليوم معارضة، وهو تحدٍّ كبير بعد نظام حكم لعشرات السنين. بيد أن الخطاب الذي ساد حتى لحظة دخول دمشق يدعو للتفاؤل بإمكانية تخطي المرحلة الأولى دون عقبات كبيرة.
بيد أن تأسيس نظام سياسي جديد يبقى تحدياً كبيراً في بلد متعدد الأعراق والأديان والمذاهب وبعد ثورة وحرب داخلية استمرت لأكثر من 13 عاماً، وفي ظل وجود عدد كبير من الفصائل المسلحة، فضلاً عن الوجود الأجنبي.
وأما التحدي الثاني الذي لا يقل أهمية وحساسية، فهو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، في ظل سيطرة قوات «ردع العدوان» على مناطق واسعة من البلاد.
ومن التحديات الكبيرة مستقبلاً خروج أو إخراج القوات الأجنبية الكثيرة من البلاد، وهو أمر ستقف أمامه عقبات كثيرة، حيث ستتذرع القوى الأجنبية بعدد من الذرائع لتمديد وجودها وتأجيل خروج قواتها، وستحاول إبرام تفاهمات مع السلطة الجديدة لشرعنة وجودها وإطالة أمده.
وتبقى «إسرائيل» تحدياً وعقبة كبيرة أمام سوريا الجديدة، وهي التي سارعت لتجاوز الحدود وحشد قوات النخبة في الجولان، وتستعد لإقامة منطقة عازلة، وربما احتلال جزء إضافي من سوريا، وكان وزير خارجيتها جدعون ساعر، قد أوضح موقفها بالقول إنها لا ترى النظام ولا المعارضة كأطراف جيدة بالنسبة لها وإن «الأقليات هي حليفنا الطبيعي»، ما يعطي إشارات حول أولوياتها وعلاقاتها وتحالفاتها، ويطرح تحديات ومخاطر في المرحلة المقبلة.
هنا، ستبرز للدول الثلاث الضامنة في مسار أستانا أدوار في المرحلة المقبلة، تركيا في المقام الأول، وروسيا إلى حد كبير، مع تراجع ملموس لدور إيران، حيث للدول الثلاث مصالح عديدة وكبيرة في سوريا، وكذلك مصلحة مشتركة باستثمار الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة والإسهام في دعم مسار سوري داخلي قبل دخول ترامب للبيت الأبيض الشهر المقبل، بحيث يكون عليه أن يتعامل مع أمر واقع، بدل أن يملك أريحية نسج سياسات يضطر الآخرون للتعامل معها من موقع رد الفعل.
ولعله من التحديات غير المعلنة حتى اللحظة أن اللاعب المسيطر على معظم سوريا، وهو «إدارة العمليات العسكرية»، يتشكل في معظمه من «هيئة تحرير الشام» التي ما زالت مصنفة كمنظمة إرهابية بالنسبة لعدة دول، ما يطرح تحديات إضافية على الفترة المقبلة سوريًا وعلى الدول العربية والإقليمية في التعامل معها كأمر واقع وكيفية رسم المسار السياسي المقبل في سوريا.الجزيرة نت