وأخيراً أبصرَ قلبُ عمرو بن العاص نورَ الإسلام، فخرجَ من مكة يُريدُ المدينة ليُسلم بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي الطريق لقيَ خالد بن الوليد فإذا به يُريدُ المدينة ليُسلم، داهية قريش وقائد فرسانها سيُسلمان في يوم واحد، يا لهذا الدين الذي يفتحُ القلوب قبل المُدُن، ويستولي على الأفئدةِ قبل الجدران!
ولمّا وصلَ عمرو بن العاص إلى المسجد قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أُبْسُطْ يمينك لأُبايعك!
فبسطَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمينه، ولكن عمرو قبضَ يده!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ما لكَ يا عمرو؟
قال: أردتُ أن أشترطَ!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: تشترطُ ماذا؟
قال: أن يُغفرَ لي!
فقال له: أما علمتَ أن الإسلام يهدِمُ ما كان قبله!
كُلُّ توبةٍ هي إسلامٌ من جديد! فأَقبِلْ على الله ولا تستعظِمْ ذنبكَ مهما كان، لا يُوجد ذنبٌ أكبر من الشِّرك، الزنا والسرقة وأكل الربا، كلها على عِظَمِها أصغر من الشِّرك، ومع هذا إذا تركَ المُشركُ شِركَه وأقبلَ إلى اللهِ بقلبه غفرَ له ما كان منه، ومن بابٍ أَوْلَى أنه سُبحانه يغفِرُ للمسلم العاصي معاصيه مهما كانتْ كبيرة في عينه، فمهما كبرتْ ذنوب الناس، فمغفرة اللهِ تعالى أكبر منها!
ويُشترَطُ للتوبة شروط ثلاثة:
الأول الإقلاعُ الفوري عن الذَّنب، والثاني النَّدم والعزمُ على عدمِ العودة ولو ضعفَ العبد وعاد فليُجدد توبته، وأحبُّ الأحاديث النبوية إلى قلبي ذاك الذي يقول فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما من عبدٍ مؤمنٍ إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يُفارقه حتى يُفارق الدنيا، إن المؤمن خُلِقَ مُفتناً تواباً نسياً إذا ذُكِّرَ ذكرَ»!
وأما الشرط الثالث فهو إعادة حقوق العباد إن كانتْ المعصية في أكلِ مالِ إنسان، أو غصبِه قطعة أرض، أو ظلمِه في ميراث!
لو أذنبتَ في اليوم ألفَ مرة تُبْ إلى الله ألفَ مرة، لا يُريدُ الشيطان من العبد أكثر من أن يجعلَه ييأسُ من رحمةِ الله، فإياك أن تيأس!
بقلم: أدهم شرقاوي