+ A
A -
عندما جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان ممن آخى بينهم أبو الدرداء وسلمان الفارسي، وفي أحدِ الأيام جاءَ سلمان لزيارةِ أبي الدرداء في بيته، فرأى أم الدرداء في حالةٍ رثةٍ، فظنَّ أنَّ خطباً ما قد حدث، فسألها: ما شأنك يا أم الدرداء؟
فقالتْ: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا! تريدُ أن تقول أنها أهملتْ نفسها لأنَّ أبا الدرداء مُنشغلٌ بالعبادة، صوَّامٌ في النهارِ، قوَّامٌ في الليلِ، مُعرِضٌ عنها!
ودخل سلمان على أبي الدرداء، ولما وُضِعَ الطعام، لم يمدَّ أبو الدرداء يده. فقال له سلمان: كُلْ!
فقال: إني صائم!
فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل!
فأكلَ أبو الدرداء وفكَّ صيامه، فلما كان الليل أراد أبو الدرداء أن يقومَ ليُصلي، فقال له سلمان: نَمْ! فنام أبو الدرداء.
فلما انقضى وقت عاود أبو الدرداء القيام ليُصلي، فقال له سلمان: نَمْ! فنام أبو الدرداء! فلما كان ثلث الليل الآخر، قال له سلمان: الآن قُمْ! فَصَلَّيَا معاً ثم قال له سلمان: إنَّ لربك عليكَ حقاً، ولنفسكَ عليكَ حقاً، ولأهلِكَ/ زوجتك عليكَ حقاً، فأعطِ كُلَّ ذي حقٍّ حقه.
فأتى أبو الدرداء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فحدَّثه بالذي كان بينهما، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: صَدَقَ سَلمان!
الحياءُ من الإيمان، وأجملُ مستحضراتِ تجميلِ المرأة الحياء، وما أجمل أم الدرداء إذ تستخدم الكناية، فلم تَقُلْ هو مُعرِضٌ عني لهذا أنا رثة الثياب والمظهر، وإنما قالتْ ليس لهُ حاجة في الدنيا!
وجاءتْ امرأةٌ إلى عُمر بن الخطاب تقول: إنّ زوجي صوَّام قوَّام، فقال: نِعم الرجل! فظلَّتْ تُعيدُها ومن حياء كنايتها لم ينتبه عُمر لمقصدها رغم ذكائه المعروف، حتى قال له محمد بن مسلمة: إنما تشكو لكَ مُباعدة زوجها لها في ألفِراش!
المُوازنةُ أمرٌ مطلوبٌ، وأُنموذج أبي الدرداء رغم أنه أخطأ التصرُّف إلا أنه انقرضَ، فنحن نعيشُ اليوم تفريطاً سلبياً وهو الإقبالُ على الدنيا حدَّ نسيان الآخرة، عكس إقبال أبي الدرداء على الآخرة حدَّ نسيان الدنيا! وكلاهما خطأ فادح، وخلاف الشَّريعة والسُّنَّة، فالمسلمُ يعملُ للآخرة لكنه لا ينسى أنه يعيشُ في الدنيا!
البيوتُ أسرارٌ، والأمورُ تحتاج إلى حكمة في مثل هذه الأمور، وأخطأت أم الدرداء بإهمال نفسها حين أعرَضَ عنها زوجها لأنَّ هذا يزيده إعراضاً، والحكيمُ من يعملُ على حلِّ المشاكل ولا يزيد من تفاقُمها، وعلى الزوج والزوجة أن يُدرِكا أن لكل واحدٍ منهما حق نيل رغبته الطبيعية، وما كان الزواج إلا للمساعدة على العِفَّة، والإقبال على الدنيا والآخرة بنفسية مُرتاحة، فهوِّنوا على بعضكم الطريق!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
03/11/2020
3474