بقلم: داليا الحديدي
كاتبة مصرية
هذا النص لا يخاطب المرأة العاملة القوية أو من باتوا يطلقون عليها «السترونج اندبندت وومن» بل هو إهداء إلى كل ربة المنزل من الطبقة الوسطى تركب سيارة زوجها فتقوم بمسح تابلوه العربية له، فلا يعير الأمر تقديرا.
لكل زوجة تقسم الدجاج لأربع وتخص نفسها بحصة الرقبة.
لكل امرأة تقشر اليوسفي وتنزع شعيراته قبل إهدائه لأسرتها.
لكل شريكة حياة، حياتها مرهونة بمشاركة زوجها في اختياره لملابسها، ثم لا يشاركها قراراته الحياتية.
لكل ربة منزل تعرق ولا تؤجر.
لكل قلب له خلة صب وبؤرة عشق، لم يملؤهما بذخ فاره، لكن سدته متاريس صلف زوج قاس.
لمن باتت أهدابهن مطفئة من الروعة كنجمات السينما، لأن تلكُم الأهداب لم تعد تتقد توفيرًا لسعر «ماسكرا» يعجز الزوج عن دفع ثمنها، فتأبى أن تشق عليه بطلبات زينتها.
لكل زوجة متهمة بالتقصير على مهمات لم يفرضها الشرع عليها رُغم أنها لكثر ما تنازلت عن حقوق أقرها المُشَّرِع لها فلم تعد تطمح في التقدير، لكن غدا أملها النجاة من التحقير.
لكل حواء لا تملك حق شراء المساحيق الثمينة لكنها سمعت عن «الكونتور» الذي ينحف الوجه السمين.
لكل ربة منزل لا يوجد على أي تسريحة مخدعها سوى عطر «شارلي» الرخيص رغم أنها تتمنى شراء «جوتشي جيلتي»، «جوود جيرل»،«فلاور بومب»، «لا بوتيت روز نوار»، «لانتاردي،» «تومي هيلفيجر» أو «جيرلان».
لكل زوجة عاملت زوجها كنجم وأهله كأبطال، فتعاطوا معها كما تعامل أميركا رؤساء دول افريقيا.
لكل زوجة تشعر انها كومبارس أو دور ثان، رغم أنها تلعب دور البطولة في حياة مجتمعها.
لكل امرأة تتوسل الأقدار ألا تضعها صدفة مع معارفها خشية أن يحرجها أمامهم.
لكل إنسانة لا تستطيع غلق هاتفها أو إلغاء تطبيق «الواتس اب»، لأنها لا بد ان تكون تحت الطلب طوال ساعات اليوم.
لمن تستيقظ لتشارك زوجها تفاصيل رحلة الحياة فتعمل، تحضر، تطبخ، تنظف، تدرس، توصل، ترصص، تقوم بالمشاوير وتشتري الطلبات وتذهب للأطباء ثم لا يحسب لها ذلك عملا، بل يقال لها «ما أنت فاضية».
لمن تجرعهن التهميش، حتى عوملن كورقية مقطوعة لا قيمة لها أو كوجبة «بايتة» انتهت مدة صلاحيتها، لكن لم يتم التخلص منها لأجل الأبناء.
لكل ربة منزل تنام كل ليلة متمنية أن ليت مواردها المالية الخاصة تقيها التقوت بمنِّ زوجها عليها رغم أنها شريكته في الكفاح.
لكل ربة منزل كانت ذات يوم منفتحة على الحياة، وقد صدقت أن بيتها سيعمر بطوبة لوجين ومثلها تبر، أملًا في موئل تنأى به عن العالم، لكن فوجئت انها أمست في ذيل القائمة، فباتت تتعلق بأحزانها، وتؤثر التمسك بكل مضطرب جاسم على حياتها، تتعكز على متع صغيرة أو أغنية حزينة، فقد صار الأمان مع شريك العمر كرقاص الساعة، غير مستقر، فابتلعت لقمة الهناء مع خوفها من جهازها الهضمي المصاب بارتجاع في المريء من اثر انتظارها للحظات المماحكة، والمناقرة والمناكدة المرتقبة، فهي موقنة أن الغدر متربص بها، فتواجه إخفاقاتها بشجاعة اليائس، بتهوره وربما باستبياعه.
لكل ربة منزل مهما بلغ عطاؤها فلن تنكس الأعلام ليوم رحيلها، بل سينتهي آخر سطر في حياتها بلا جنازة مهيبة أو حضور كبير، ولكن وحده زوجها من سيندم لكونه لن يراها.