منذ أجيال طويلة، وفي كل مرحلة من مراحل تاريخ دولتنا قطر، كانت رؤية القيادة للتطوير والنهوض بالمجتمع هي الجوهر الرئيسي للبناء والتقدم.

لقد مرت قطر بتحولات كبرى على مر السنين فقد شهدت كل حقبة من تاريخ الدولة تميزاً في الارتقاء بالوطن وحياة المواطن وكل من يعيش عليها، وكانت الدولة ولا تزال حريصة دوماً على توفير حياة كريمة للجميع، جعلت من الإنسان القطري جوهر اهتمامها وسخرت إمكانياتها لتقديم أفضل الخدمات في كافة المجالات، مما عزز الشعور بالفخر والانتماء، وجعلهم يحملون الدولة كأمانة غالية ينقلونها لأبنائهم، ويشعرون بالأمان والثقة في مستقبل أفضل.

عاصر الآباء مرحلة النهوض السريع في الدولة، حيث شهدوا تأسيس الدولة الحديثة على أسس متينة من العمل والإنجاز. ولم تأل الدولة جهداً في توفير كافة سبل الحياة الكريمة لمواطنيها، وبدأت في بناء بنية تحتية قوية أسهمت في رفع مستوى معيشة كل من يعيش عليها، وجعلت الجميع يلمس التغيير ويتحدث عن جهود القيادة التي لم تدخر أي وسيلة للارتقاء بقطر وشعبها. وأصبحت عبارة «الدولة ما قصرت» تتردد بصدق على ألسنة الأجداد والآباء، ولازالت إلى اليوم يرددها المواطنون والمقيمون على هذه الأرض معززة بروح من الفخر والاعتزاز.

xوالسؤال الذي يتبادر إلى الاذهان هو: كيف استطاعت قطر، وهي شبه جزيرة صغيرة في الخليج، أن تتحول إلى واحدة من أكثر الدول تطوراً في العالم؟ كيف استطاعت أن تبني اقتصاداً متيناً، وتخلق مجتمعا مزدهرا ومستقرا يواكب الطموحات العالمية في غضون عقود قليلة فقط؟

منذ بداية القرن العشرين، كانت قطر تخضع لمعاهدات حماية مع بريطانيا، حيث وقع الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني «رحمه الله»، في نوفمبر عام 1916 اتفاقية عرفت بالمعاهدة الأنجلو- قطرية، والتي تم تجديدها في مايو عام 1935 بشأن حماية قطر من أي اعتداء تتعرض له، وأن تتولى بريطانيا مسؤولية الشؤون الخارجية والأمنية. ومع ذلك، كان لدى القيادة القطرية رؤية مستقبلية تهدف إلى تحقيق الاستقلال الكامل، وهو ما تحقق في عام 1971 حيث أعلنت قطر إنهاء العلاقات التعاهدية مع بريطانيا بعد مفاوضات مطولة مع بريطانيا.

وقد أسهم إلغاء منصب المستشار البريطاني وتولي الدولة لكافة الصلاحيات السيادية الداخلية والخارجية في تعزيز رسم سياسات مستقلة تخدم مصالحها الوطنية وتضعها على مسار النمو والتحول السريع. هذا الاستقلال لم يكن مجرد خروج من مظلة الحماية، بل كان بداية حقبة جديدة، حيث بدأت قطر وبقيادة صاحب السمو الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني «رحمه الله» الذي امتد عهده إلى نحو 23 عاماً في بناء مؤسسات الدولة الحديثة بشكل مستقل، وانطلقت في وضع أسس إدارة الدولة وتشريع أنظمتها وقوانينها.

وبعد تلك المرحلة، انطلقت قطر نحو مستقبل مشرق بخطى واسعة بقيادة شخصية استثنائية وتاريخية ورمز من رموز العطاء صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، «حفظه الله» حيث تقلد زمام الحكم في 25 يونيو 1995 متمتعاً بعقلية استراتيجية ورؤية ثاقبة، مكنته من قيادة قطر نحو نهضة شاملة لتمضي البلاد تحت قيادته وبفضل رؤية حكيمة نحو البناء والتقدم حتى أصبحت الدولة مثال يحتذى به في الازدهار الاقتصادي والتطور التعليمي والصحي والرياضي وأصبحت واحة للعلوم والثقافة إلى جانب تحولها إلى صوت مؤثر وفاعل في السياسة الإقليمية والدولية، كما كان سمو الأمير الوالد شديد الحرص على الحفاظ على الهوية القطرية الأصيلة وتعزيز القيم المجتمعية التي كانت أساس تكوين الدولة، كما عملت قطر في عهده على تنمية الروابط والتعاون بينها وبين الشعوب والدول الإسلامية. فمهما تحدثنا عنه لن نوفيه حقه، استطاع أن يلهم شعبه ويحقق أحلامهم وأصبح رمزاً عزيزاً في نفوس الشعب القطري.

واصلت قطر نهجها بخطى واسعة نحو المستقبل، حيث أكمل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «حفظه الله» مسيرة بناء الدولة التي بدأتها قطر تجسيداً لرؤيته الطموحة وتفانيه في تحقيق التقدم والازدهار، ليقود الدولة بخطى ثابتة لتنمية شاملة، حيث شهدت قطر طفرة غير مسبوقة من التطور والنمو المستدام والذي تميز برؤية شاملة تجمع التقدم الاقتصادي، الاجتماعي الثقافي، الرياضي وكذلك البنية التحتية. حيث تم إنشاء مشاريع ضخمة تشمل الطرق والموانئ والمطار والمنشآت الرياضية الضخمة والعالمية ومشاريع للرعاية الصحية بأعلى المعايير نحو تحقيق أهداف طموحة ضمن رؤية قطر 2030، والتي تضع الأسس لمستقبل واعد ومميز، وفي عهد سموه أهتم بتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط والغاز فدعم قطاعات جديدة كالتكنولوجيا والصناعات المتقدمة والتعليم مما أسهم في بناء قاعدة صلبة للتنمية، وفي مجال العلاقات الدولية، فقد قاد سموه سياسة خارجية متوازنة مستقلة تدعم السلام والاستقرار في المنطقة وتركز على الدبلوماسية والحوار كأداة لحل النزاعات. كما حرص سموه على تطوير القوانين والأنظمة لتكون ملائمة مع التطورات المحلية والدولية بهدف تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص والحقوق بين أفراد المجتمع.

جهود، والتزام، وعطاء، مستمر يعكس تصميم الدولة الدائم على أن تكون الحياة الكريمة هي الأساس الذي تقوم عليه سياساتها، حيث أثبتت الدولة قدرتها الفائقة على تقديم مسيرة مميزة لتطوير جميع الجوانب الحياتية لمتطلبات المجتمع ورفاهيته ولم تدخر جهدًا في النهوض بها، فكانت يد العطاء ممتدة إلى جميع مناحي الحياة، وما يعكس التزام القيادة الرشيدة برفاهية المواطنين وتوفير حياة كريمة لهم هي مجانية الخدمات المقدمة والتي تشمل الكهرباء والماء إلى التعليم والرعاية الصحية، وتمتد مظلة الدعم الشامل لتغطي المدارس والجامعات والإسكان والدعم الزراعي والبيئي والغذائي وخدمات اجتماعية كثيرة لا حصر لها، حيث سعت إلى بناء دولة حديثة تقوم على أسس متينة تراعي مصالح الشعب وتضمن استدامة النمو والتقدم، مما جعل عبارة «الدولة ما قصرت» تعبيراً حقيقياً على لسان كل من يعيش على هذه الأرض.

وإننا نشهد اليوم احتفالاتنا باليوم الوطني للدولة، بتأسيس الدولة على يد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني «رحمه الله» في 18 ديسمبر من العام 1878، والذي يُعد نبراساً يضيء درب الأجيال، ويشهد على هذه المنجزات العظيمة التي حققتها قطر على مر السنين. ففي هذا اليوم، يتجدد الفخر والاعتزاز، ويتوحد الشعب ليعبّر عن ولائه وحبه للوطن وقيادته الحكيمة التي صنعت مجداً يحتذى به. ومن خلال هذه الذكرى العظيمة والكبيرة في كل عيون أهل قطر، تستمر الدولة في رسم مسيرتها نحو المستقبل بكل عزم، ليبقى هذا اليوم شاهداً على إنجازات الماضي وأمل المستقبل.

«الدولة ما قصرت»..

ليست مجرد عبارة تُقال، بل هي واقع يلمسه كل من يعيش على هذه الأرض، نشهده من خلال مواكبة الدولة لمتطلبات المستقبل. فقد استطاعت الدولة، بفضل رؤيتها الثاقبة، أن تضع خططًا استراتيجية طويلة الأمد تضمن النمو المستدام وتحافظ على الكرامة والرفاهية لأبنائها والمقيمين. وهذا التطور الكبير في مستوى الحياة العامة جعل من عبارة "الدولة ما قصرت" حقيقة متجسدة يشعر بها كل فرد يعيش على هذه الأرض. الأجيال القادمة ستحمل إرثاً من الفخر والولاء، وستظل تشهد على مسيرة الدولة التي لم تقصر يوماً، لتبقى مسيرتها مستمرة بإذن الله، وكما ردد الأجداد والآباء هذه العبارة بامتنان واعتزاز، ستظل تتردد جيلاً بعد جيل، حيث تبني الدولة مسيرتها بثبات على أسس من الثقة والالتزام بحقوق مواطنيها والمقيمين كذلك.

في النهاية، الطموحات والرؤى وجدت لتتحقق، وقطر اليوم تسير بخطى ثابتة نحو تجسيد رؤية مستقبلية تتجاوز كل التوقعات بحنكة القائد سمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «حفظه الله».Twitter:@kmaslamani