+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةكانت الثواني تمر كالساعات على أحمد وكذلك كان يشعر صديقه العزيز فرانسوا، كان أحمد يهز القلم قليلاً، فيما يضع فرانسوا نقطا على الصفحة البيضاء، حين دعتهم المعلمة في مدرسة الحي بباريس، لرسم صورة مشينة لنبي الإسلام، وبين فترة وأخرى ينظران لبعض، شعر أحمد بحاجته للحديث للمعلمة، التي حاولت تجاهل الأطفال المسلمين، وهي لحظة انعزالية شرسة، يمارسها التعليم الجهوري بحسب بخطاب الرئيس، تفتك بمشاعر الطفولة.
غير أن أحمد ورغم أنهُ لم يركز على تفاصيل التحريض السياسي الذي يملأ الشاشات، لكنه شعر بعدم جدوى الحديث مع معلمته إيفون، أما المعلمة فكانت تراقب عن بعد وحذر من رصدها، التقاء عيني الطفلين الصديقين، لكن مشاعر الكراهية التي اشتعلت في سحابة تلك الجرائم، وصلت لقلب المعلمة فكانت تحاول منع ضميرها الأخلاقي، من التقاط رسالة الطفولة الإنسانية.
فرانسوا بدأ بالرسم، دون أن يعرف أحمد ماذا يرسم صاحبه، رن الجرس فقام فرانسوا إلى صديقه أحمد فوراً، خرجا إلى الفسحة وشعر أحمد بدفء ملهم في لحظة صعبة من حياة طفولته، ولكن لا يزال رسم فرانسوا مجهولاً، تعمد فرانسوا التأخر حتى وضع زملاؤه الرسوم المطلوبة، فدفع رسمته أسفل تلك الأوراق، عبرت الفُسحة، وعادوا إلى الدرس، غير أن القلق النفسي والخوف من الغائب المنتظر يرعبهم، ماذا يجري لمدرستهم! لعالمهم الصغير؟ لباريس التي يجرون في ضواحيها، ظل هاجساً لهم.
عادا إلى المنزل فاستقبلت عائشة طفلها، وسوم الوجه فيها تعبيرات مختلفة..
أحمد حبيبي كيف المدرسة اليوم؟
أجاب: جيدة، وانصرف إلى غرفته، شعرت عائشة بأمرٍ غير طبيعي، يجتاح فلذة كبدها، تركت عملها في المطبخ وانصرفت له، دخلت عليه وهو جالس على سريره، ومع ذلك لم ينزع الحقيبة من على كتفيه، أخذت الحقيبة وخلعت معطفه الصغير، ومسحت على وجهه وقالت: هل أنت متضايق..
تلعثم ثم قال كلمتين.. ماما محمد رسول الله.. ثم سكت.. أخذ كتاب قصص الأنبياء بينهم محمد والمسيح وموسى، وبقية الأنبياء من مكتبته الصغيرة، عرفت عائشة الحدث، أدركت الكارثة التي تُصب على أطفال فرنسا برعاية الرئيس وكل أضلاع الحكومة، وبقية الأحزاب المتشددة، فكيف تتحمل هذه الطفولة كل ذلك السقوط، ضمته فكانت لحظة البكاء.. تركته يبكي ويبكي، فبعض الدمع يُعين على الصدمة، ويحمل قلب الطفل الصغير على التحمّل.
لم تشأ أن تُحدّثه، طلبت منه التوجه للاستحمام، والمبادرة للألعاب التي يحبها، قالت لا حاجة للمذاكرة الآن، دخل حسن بعدها بساعات قليلة، قرأ في وجه عائشة، ألما وقلقا كانت قد استمعت الحكاية من طفلها، قال حسن: سأذهب للمدرسة غداً، قالت كلا، أنا سأذهب توجه إلى عملك، لم ينما تلك الليلة، وخاصة أن الصغير كان يتقلب في فراشه على غير عادته.
فجأة في الصباح الباكر وبعد أن ذهب فرانسوا وأحمد إلى المدرسة، في باص الحي المخصص، طُرق الباب مع صوت معروف لعائشة، كانت الجارة الصديقة الودودة إيليت، فرحت عائشة بها طلبت منها الدخول، قالت لا لدي بعض الأعمال خارج المنزل، لكن أحببت أن اخبرك أنني سأذهب لمدرسة الأطفال اليوم، بدون حديث شعرت عائشة بأن الأمر مرتبط بما جرى من المعلمة إيفون، ان لم يكن النظام التعليمي الجديد للجمهورية.
أكملت إيليت، وسوف أصطحب ولدَينا معي، بعد خروجي بدلاً من عودتهما بالباص، ردت عائشة فوراً: سأذهب معك، تبادلا النظرات، ثم قالت عائشة: لا تفضلين ذلك؟
قالت إيليت: نعم.
هذه المرة وفي وقت كاف لانصراف الطلاب الصغار، وصلت إيليت، طلبت لقاء مدير المدرسة والمعلمة، سمع المدير لصوت الغضب الإنساني، وجُرح التعايش العميق، والسؤال الكبير، ماذا تريدون فعله في أطفالنا؟
كم يُمثّل أطفال المسلمين من مدرستكم، سكت المدير ثم قال لها، سيدتي ولو كان طفلاً واحداً فأنا أرفض جرح مشاعره، كان المدير أقرب إلى الروح الإنسانية من بعض معلميه، سنوات الخبرة ومراجعة كتب الفلسفة، جعلته يدرك خطورة توجهات الرئيس وأنصاره، لدعم هذه الإساءات رغم أن الجميع، يرفض العنف والإرهاب ويرفض إيذاء المختلفين.
لحظة مواجهة إيفون وإيليت بدت مختلفة، كان السؤال المباشر لها: ماذا لو كان أحمد ابن جارتك، وكان فرانسوا ابنك، كيف ستتعاملين مع هذا الموقف..
أجابت إيفون أنا لست متزوجة، قالت هذا لا يعني لي شيئاً، أنا لا أحدثك عن حياتك الشخصية، ولكن على ما يفرض على هؤلاء الأطفال، وعلى هذه الكراهية التي نزرعها بين أحيائنا، سكتت إيليت والتفتت لمدير المدرسة آمل ان تأخذ بمشاعري وطفلي قبل شكواي بعين الاعتبار، ولا تنس مشاعر أحمد ووالديه، رد فوراً: افعل سيدتي، شكرته وطلبت اصطحاب الأطفال. أتوا مسرعين حين علموا بالعودة للمنزل في سيارة ايليت، لكن فرانسوا استوقفهما، قال أمي لحظة من فضلك، دخل فرانسوا لغرفة المعلمين وتوجه لمعلمته إيفون حيّاها، ثم قال لها وقد كانت في قلق وتوتر، حيث صحوة الضمير تبدو قد ارتفعت في وجدانها، قال هل لي أن آخذ رسمتي، قالت نعم، لم تكن قد اطلعت عليها بعد، أخذت ملف الفصل، واستخرجت رسمه، ثم نظرت وصدمت وبكت، التفتت للطفل آسفة فرانسوا آسفة.
اخذ فرانسوا الرسم وجرى مسرعاً سعيداً، هيا يا أمي عانق رفيقه أحمد، ثم أعطاه الرسم، كانت محبرة مكسورة تواجه صورة كفين متضامنين، لن تسرق الطفولة ولن يهدم التعايش بيننا بحبر الكراهية.
باحث عربي مستقل مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةكانت الثواني تمر كالساعات على أحمد وكذلك كان يشعر صديقه العزيز فرانسوا، كان أحمد يهز القلم قليلاً، فيما يضع فرانسوا نقطا على الصفحة البيضاء، حين دعتهم المعلمة في مدرسة الحي بباريس، لرسم صورة مشينة لنبي الإسلام، وبين فترة وأخرى ينظران لبعض، شعر أحمد بحاجته للحديث للمعلمة، التي حاولت تجاهل الأطفال المسلمين، وهي لحظة انعزالية شرسة، يمارسها التعليم الجهوري بحسب بخطاب الرئيس، تفتك بمشاعر الطفولة.
غير أن أحمد ورغم أنهُ لم يركز على تفاصيل التحريض السياسي الذي يملأ الشاشات، لكنه شعر بعدم جدوى الحديث مع معلمته إيفون، أما المعلمة فكانت تراقب عن بعد وحذر من رصدها، التقاء عيني الطفلين الصديقين، لكن مشاعر الكراهية التي اشتعلت في سحابة تلك الجرائم، وصلت لقلب المعلمة فكانت تحاول منع ضميرها الأخلاقي، من التقاط رسالة الطفولة الإنسانية.
فرانسوا بدأ بالرسم، دون أن يعرف أحمد ماذا يرسم صاحبه، رن الجرس فقام فرانسوا إلى صديقه أحمد فوراً، خرجا إلى الفسحة وشعر أحمد بدفء ملهم في لحظة صعبة من حياة طفولته، ولكن لا يزال رسم فرانسوا مجهولاً، تعمد فرانسوا التأخر حتى وضع زملاؤه الرسوم المطلوبة، فدفع رسمته أسفل تلك الأوراق، عبرت الفُسحة، وعادوا إلى الدرس، غير أن القلق النفسي والخوف من الغائب المنتظر يرعبهم، ماذا يجري لمدرستهم! لعالمهم الصغير؟ لباريس التي يجرون في ضواحيها، ظل هاجساً لهم.
عادا إلى المنزل فاستقبلت عائشة طفلها، وسوم الوجه فيها تعبيرات مختلفة..
أحمد حبيبي كيف المدرسة اليوم؟
أجاب: جيدة، وانصرف إلى غرفته، شعرت عائشة بأمرٍ غير طبيعي، يجتاح فلذة كبدها، تركت عملها في المطبخ وانصرفت له، دخلت عليه وهو جالس على سريره، ومع ذلك لم ينزع الحقيبة من على كتفيه، أخذت الحقيبة وخلعت معطفه الصغير، ومسحت على وجهه وقالت: هل أنت متضايق..
تلعثم ثم قال كلمتين.. ماما محمد رسول الله.. ثم سكت.. أخذ كتاب قصص الأنبياء بينهم محمد والمسيح وموسى، وبقية الأنبياء من مكتبته الصغيرة، عرفت عائشة الحدث، أدركت الكارثة التي تُصب على أطفال فرنسا برعاية الرئيس وكل أضلاع الحكومة، وبقية الأحزاب المتشددة، فكيف تتحمل هذه الطفولة كل ذلك السقوط، ضمته فكانت لحظة البكاء.. تركته يبكي ويبكي، فبعض الدمع يُعين على الصدمة، ويحمل قلب الطفل الصغير على التحمّل.
لم تشأ أن تُحدّثه، طلبت منه التوجه للاستحمام، والمبادرة للألعاب التي يحبها، قالت لا حاجة للمذاكرة الآن، دخل حسن بعدها بساعات قليلة، قرأ في وجه عائشة، ألما وقلقا كانت قد استمعت الحكاية من طفلها، قال حسن: سأذهب للمدرسة غداً، قالت كلا، أنا سأذهب توجه إلى عملك، لم ينما تلك الليلة، وخاصة أن الصغير كان يتقلب في فراشه على غير عادته.
فجأة في الصباح الباكر وبعد أن ذهب فرانسوا وأحمد إلى المدرسة، في باص الحي المخصص، طُرق الباب مع صوت معروف لعائشة، كانت الجارة الصديقة الودودة إيليت، فرحت عائشة بها طلبت منها الدخول، قالت لا لدي بعض الأعمال خارج المنزل، لكن أحببت أن اخبرك أنني سأذهب لمدرسة الأطفال اليوم، بدون حديث شعرت عائشة بأن الأمر مرتبط بما جرى من المعلمة إيفون، ان لم يكن النظام التعليمي الجديد للجمهورية.
أكملت إيليت، وسوف أصطحب ولدَينا معي، بعد خروجي بدلاً من عودتهما بالباص، ردت عائشة فوراً: سأذهب معك، تبادلا النظرات، ثم قالت عائشة: لا تفضلين ذلك؟
قالت إيليت: نعم.
هذه المرة وفي وقت كاف لانصراف الطلاب الصغار، وصلت إيليت، طلبت لقاء مدير المدرسة والمعلمة، سمع المدير لصوت الغضب الإنساني، وجُرح التعايش العميق، والسؤال الكبير، ماذا تريدون فعله في أطفالنا؟
كم يُمثّل أطفال المسلمين من مدرستكم، سكت المدير ثم قال لها، سيدتي ولو كان طفلاً واحداً فأنا أرفض جرح مشاعره، كان المدير أقرب إلى الروح الإنسانية من بعض معلميه، سنوات الخبرة ومراجعة كتب الفلسفة، جعلته يدرك خطورة توجهات الرئيس وأنصاره، لدعم هذه الإساءات رغم أن الجميع، يرفض العنف والإرهاب ويرفض إيذاء المختلفين.
لحظة مواجهة إيفون وإيليت بدت مختلفة، كان السؤال المباشر لها: ماذا لو كان أحمد ابن جارتك، وكان فرانسوا ابنك، كيف ستتعاملين مع هذا الموقف..
أجابت إيفون أنا لست متزوجة، قالت هذا لا يعني لي شيئاً، أنا لا أحدثك عن حياتك الشخصية، ولكن على ما يفرض على هؤلاء الأطفال، وعلى هذه الكراهية التي نزرعها بين أحيائنا، سكتت إيليت والتفتت لمدير المدرسة آمل ان تأخذ بمشاعري وطفلي قبل شكواي بعين الاعتبار، ولا تنس مشاعر أحمد ووالديه، رد فوراً: افعل سيدتي، شكرته وطلبت اصطحاب الأطفال. أتوا مسرعين حين علموا بالعودة للمنزل في سيارة ايليت، لكن فرانسوا استوقفهما، قال أمي لحظة من فضلك، دخل فرانسوا لغرفة المعلمين وتوجه لمعلمته إيفون حيّاها، ثم قال لها وقد كانت في قلق وتوتر، حيث صحوة الضمير تبدو قد ارتفعت في وجدانها، قال هل لي أن آخذ رسمتي، قالت نعم، لم تكن قد اطلعت عليها بعد، أخذت ملف الفصل، واستخرجت رسمه، ثم نظرت وصدمت وبكت، التفتت للطفل آسفة فرانسوا آسفة.
اخذ فرانسوا الرسم وجرى مسرعاً سعيداً، هيا يا أمي عانق رفيقه أحمد، ثم أعطاه الرسم، كانت محبرة مكسورة تواجه صورة كفين متضامنين، لن تسرق الطفولة ولن يهدم التعايش بيننا بحبر الكراهية.