مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةبوسع القارئ الكريم، أن يستعرض العديد من المؤسسات ذات العلاقة بالخطاب الفكري الحضاري في الدوحة، فضلاً عما تقدمه جهتان من أبرز المؤسسات الإعلامية والثقافية في الوطن العربي، وهما شبكات الجزيرة والمؤسسات الرديف، والمركز العربي والمؤسسات التابعة له، أضف إلى ذلك منابر عديدة مشتغلة بهذا العنوان جزئياً أو كلياً، وهذ يقتضي منّا الإجابة السريعة عن هذا التساؤل.. ألا يوجد جهود مشهودة لتلك المؤسسات والأنشطة؟
ونقول بلى هناك جهود ومحاولات وأنشطة ومؤتمرات ومواسم، ولكننا لا نزال ندرك مساحة الفراغ التي تحتاج إلى تغطية أوسع وأنشط، وهذا الحديث يشمل تلك المؤسسات وغيرها.
وفي زيارتي الحالية عاد السؤال عن هذا الفراغ مجدداً، في حديثي مع الإخوة المثقفين من أبناء قطر، دعونا قبل ذلك نستعرض واقع العالم اليوم، الذي يتأرجح بين حروب وأزمات وكوراث، تلقي بثقلها على عالم اليوم، وخاصة حاضر العالم الإسلامي.
وفي ذات الوقت هناك حرب كلامية عاصفة، يوازيها جدل فلسفي وفكري في بعض المنصات الأكاديمية، وشخصيات الفلسفة الأخلاقية، أو النداء الثالث للعالم، المتسائل كيف نوقف هذه الحرب الكونية المزدحمة، التي تهلك الحرث والنسل، وذخيرتها تحديات أخلاق وقيم وموازين قسط، انهارت وشكّلت أزمة العالم الحديث.
وهنا انتقل سريعاً للمواجهة الفرنسية الأخيرة مع المسلمين، واعتراف الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته، بأنهم يواجهون أزمة ثقة مع العالم الإسلامي، والذي لم يقتنع مطلقاً بتبريرات الرئيس الفرنسي، ولا تزال إدانته قائمة.
وليس المقال اليوم في إعادة المحاكمة الفكرية أو الأخلاقية للحكومة الفرنسية، في قضية الرسوم المسيئة، ولا حتى الحق الاحتجاجي للمسلمين بتبني مقاطعة المنتجات الفرنسية، كرسالة احتجاج مبدئي بغض النظر عن الجدوى الكلية في استمرارها، أو ضعفها لاحقاً، فهي اليوم رسالة غضب جارفة، تقرع أبواب الإليزيه، الذي لا يزال يطوف وزير خارجيته، على بلدان المسلمين لإقناعهم بأن كل تلك الرعاية لا تعني دعماً رسميا للإساءة.
هذا الموقف المضطرب لجأ عند أول صدمته إلى قطر، وطلب منها مساعدته لتوضيح وجهة نظره، وحصل على ذلك في منصة الجزيرة، ولكنه فشل في إقناع الناس، هنا منطلق فكرتنا وهو هذا التموضع الذي تتبوؤه قطر، في امتلاك منابر ومؤسسات مؤثرة للغاية، وهناك أيضاً حركة وعي موازية، تنتشر في أبنائها وبناتها، كما أن العديد من النماذج العربية الفكرية، تنشر فكرها من خلال منابرها.
إن القضية هنا في كيف تُستثمر تلك المؤسسات بصورة أكبر، واستراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، تحضر فيها تلك الروح المتفاعلة الإيجابية، التي تجمع شمال العالم وجنوبه، وتمد الجسور بين الشرق ذاته وبين الغرب والشرق، فيُعّد هيكل وبرامج حوارات جادة، تنقل عبر القوة الإعلامية الناعمة، ويتم اشراك الأمم المتحدة، ليس كهيمنة وإنما كاعتراف ووضع المنظمة الدولية، في مسار المسؤولية والشراكة، في فهم وتقدير إن لم يكن تبني خلاصات تلك الحوارات والجهود.
إننا اليوم يجب ألا ننتظر وقوع أزمة مواجهة فكرية جديدة، وهناك فرصة تاريخية للدوحة ومناسباتها العالمية، في دفع حضورها الفكري، وإشراك نخبتها من أبناء قطر وأبناء الخليج العربي وبقية الوطن العربي الكبير، في طاولة الحوار، وإعادة طرح وتقييم منتجات الحضارة الإسلامية وبالذات مفاهيمها القيمية، التي وسّعت جغرافيتها كل هذه الأديان والأعراق والقوميات، ثم كيف ورثها الغرب وماذا صنع بعد أن تمكن من أرضها؟
إن الأمر ليس مربوطاً بمقارعة صراعية بيننا وبين الغرب، وإنما بمقاربة حضارية، يتعرّف فيها العالم على البعد الآخر الذي أقصي في الأكاديمية الغربية، وما هي مؤهلات شراكته في حوار الحضارات، ليس من خلال العناوين البراقة، وإنما من خلال الأفكار الحقيقية الخلاقة التي يحتاجها العالم، ويحتاجها المسلمون والوطن العربي قبل ذلك، عبر تفعيل النقد الذاتي لتأثيرات التخلف والصراع المذهبي وغيره، على صناعة الشخصية القوية أخلاقياً ومعرفيا، وتصنع فارقاً للشرق وللعالم.
وهناك جدول مزدحم كله متاح، دون استفزاز سياسي، يمكن لقطر اليوم، أن تتقدم به للعالم، وتساهم في إصلاح ذات البين الأممي، بقدر الاستطاعة وتقدم لائحة رد فكري حضاري، على التهم المعلبة المنحازة ضد الشرق، والمعيار كلمة سواءً لخير هذه الأرض، ترفع رايته الدوحة وتشارك رياضة الثقافة والفكر في معاهد العالم الجديد.
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةبوسع القارئ الكريم، أن يستعرض العديد من المؤسسات ذات العلاقة بالخطاب الفكري الحضاري في الدوحة، فضلاً عما تقدمه جهتان من أبرز المؤسسات الإعلامية والثقافية في الوطن العربي، وهما شبكات الجزيرة والمؤسسات الرديف، والمركز العربي والمؤسسات التابعة له، أضف إلى ذلك منابر عديدة مشتغلة بهذا العنوان جزئياً أو كلياً، وهذ يقتضي منّا الإجابة السريعة عن هذا التساؤل.. ألا يوجد جهود مشهودة لتلك المؤسسات والأنشطة؟
ونقول بلى هناك جهود ومحاولات وأنشطة ومؤتمرات ومواسم، ولكننا لا نزال ندرك مساحة الفراغ التي تحتاج إلى تغطية أوسع وأنشط، وهذا الحديث يشمل تلك المؤسسات وغيرها.
وفي زيارتي الحالية عاد السؤال عن هذا الفراغ مجدداً، في حديثي مع الإخوة المثقفين من أبناء قطر، دعونا قبل ذلك نستعرض واقع العالم اليوم، الذي يتأرجح بين حروب وأزمات وكوراث، تلقي بثقلها على عالم اليوم، وخاصة حاضر العالم الإسلامي.
وفي ذات الوقت هناك حرب كلامية عاصفة، يوازيها جدل فلسفي وفكري في بعض المنصات الأكاديمية، وشخصيات الفلسفة الأخلاقية، أو النداء الثالث للعالم، المتسائل كيف نوقف هذه الحرب الكونية المزدحمة، التي تهلك الحرث والنسل، وذخيرتها تحديات أخلاق وقيم وموازين قسط، انهارت وشكّلت أزمة العالم الحديث.
وهنا انتقل سريعاً للمواجهة الفرنسية الأخيرة مع المسلمين، واعتراف الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته، بأنهم يواجهون أزمة ثقة مع العالم الإسلامي، والذي لم يقتنع مطلقاً بتبريرات الرئيس الفرنسي، ولا تزال إدانته قائمة.
وليس المقال اليوم في إعادة المحاكمة الفكرية أو الأخلاقية للحكومة الفرنسية، في قضية الرسوم المسيئة، ولا حتى الحق الاحتجاجي للمسلمين بتبني مقاطعة المنتجات الفرنسية، كرسالة احتجاج مبدئي بغض النظر عن الجدوى الكلية في استمرارها، أو ضعفها لاحقاً، فهي اليوم رسالة غضب جارفة، تقرع أبواب الإليزيه، الذي لا يزال يطوف وزير خارجيته، على بلدان المسلمين لإقناعهم بأن كل تلك الرعاية لا تعني دعماً رسميا للإساءة.
هذا الموقف المضطرب لجأ عند أول صدمته إلى قطر، وطلب منها مساعدته لتوضيح وجهة نظره، وحصل على ذلك في منصة الجزيرة، ولكنه فشل في إقناع الناس، هنا منطلق فكرتنا وهو هذا التموضع الذي تتبوؤه قطر، في امتلاك منابر ومؤسسات مؤثرة للغاية، وهناك أيضاً حركة وعي موازية، تنتشر في أبنائها وبناتها، كما أن العديد من النماذج العربية الفكرية، تنشر فكرها من خلال منابرها.
إن القضية هنا في كيف تُستثمر تلك المؤسسات بصورة أكبر، واستراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، تحضر فيها تلك الروح المتفاعلة الإيجابية، التي تجمع شمال العالم وجنوبه، وتمد الجسور بين الشرق ذاته وبين الغرب والشرق، فيُعّد هيكل وبرامج حوارات جادة، تنقل عبر القوة الإعلامية الناعمة، ويتم اشراك الأمم المتحدة، ليس كهيمنة وإنما كاعتراف ووضع المنظمة الدولية، في مسار المسؤولية والشراكة، في فهم وتقدير إن لم يكن تبني خلاصات تلك الحوارات والجهود.
إننا اليوم يجب ألا ننتظر وقوع أزمة مواجهة فكرية جديدة، وهناك فرصة تاريخية للدوحة ومناسباتها العالمية، في دفع حضورها الفكري، وإشراك نخبتها من أبناء قطر وأبناء الخليج العربي وبقية الوطن العربي الكبير، في طاولة الحوار، وإعادة طرح وتقييم منتجات الحضارة الإسلامية وبالذات مفاهيمها القيمية، التي وسّعت جغرافيتها كل هذه الأديان والأعراق والقوميات، ثم كيف ورثها الغرب وماذا صنع بعد أن تمكن من أرضها؟
إن الأمر ليس مربوطاً بمقارعة صراعية بيننا وبين الغرب، وإنما بمقاربة حضارية، يتعرّف فيها العالم على البعد الآخر الذي أقصي في الأكاديمية الغربية، وما هي مؤهلات شراكته في حوار الحضارات، ليس من خلال العناوين البراقة، وإنما من خلال الأفكار الحقيقية الخلاقة التي يحتاجها العالم، ويحتاجها المسلمون والوطن العربي قبل ذلك، عبر تفعيل النقد الذاتي لتأثيرات التخلف والصراع المذهبي وغيره، على صناعة الشخصية القوية أخلاقياً ومعرفيا، وتصنع فارقاً للشرق وللعالم.
وهناك جدول مزدحم كله متاح، دون استفزاز سياسي، يمكن لقطر اليوم، أن تتقدم به للعالم، وتساهم في إصلاح ذات البين الأممي، بقدر الاستطاعة وتقدم لائحة رد فكري حضاري، على التهم المعلبة المنحازة ضد الشرق، والمعيار كلمة سواءً لخير هذه الأرض، ترفع رايته الدوحة وتشارك رياضة الثقافة والفكر في معاهد العالم الجديد.