عن النُّعمان بن بشير أنَّ أمه عمرة بنت رواحة سألتْ أباه بعض الموهبة من مالِهِ له، فماطلَها في ذلك سنة، ثم بدا له أن يُوافق.
فقالتْ له: لا أرضى حتى تُشهد النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على ما وهبتَ لابني!
فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذٍ غُلام، فأتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله إنَّ أم هذا بنتَ رواحة أعجبَها أن أُشهدَكَ على الذي وهبتُ لابنِها.
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا بشير، ألكَ ولدٌ سوى هذا؟
قال: نعم
فقال له: أكُلُّهم وهبتَ لهم مثل الذي وهبتَ لابنكَ هذا؟
قال: لا
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فلا تُشهِدني إذاً، فإني لا أشهدُ على جور!
قد يُحبُّ الأبُ أو الأمُ ولداً أكثر من ولدٍ، فالإنسان لا يملكُ زمام قلبه، وهو معذورٌ في هذا الحُب، ولكنه ليس معذوراً أن يُميِّزَ في المُعاملةِ والأُعطياتِ بين الأولاد، لأنَّ هذا من الظُّلم أولاً، ولأنه يُوغر صدور الإخوة بالكراهية على بعضِهِم البعض!
الأولادُ أذكياءٌ جداً في ملاحظةِ اختلالِ ميزان التعامل، وهذا شيء يغفل عنه الأبوان! ماتتْ أم يُوسف عليه السَّلام وهي تضع شقيقه بنيامين، فمالَ يعقوب عليه السَّلام كلَّ الميل إلى الصغيرين اليتيمين شفقةً أن لا أم لهما، وتعلَّقَ قلبه بيُوسف عليه السلام أيما تعلُّق، وكان هذا سبباً في كراهية إخوتِهِ له! صحيحٌ أنَّ جُرمَهم معه قبيحٌ وغير مبرر، وأنَّ تآمُرَهم عليه لا يُبرره ميل يعقوب عليه السلام إليه، إلا أنَّ الله سبحانه يقصُّ علينا قصصهم لنتعلَّم منها، ونأخذ الدروس والعِبر، فاتقوا الله في أولادِكم ولا تجعلوا منهم أعداءً بسببِ التمييزِ في المُعاملةِ والأُعطيات!
إنَّ المواريث جعلَها الله تعالى بسببِ رابطِ الدمِ والقرابةِ لا بسببِ رابطِ المحبةِ والهوى! بمعنى أن الذي يجعل الولد مستحقاً لميراث أبيه هو أنه ابنه ومن صُلبه، لا لأنه يُحبه، وعليه فليس للأب أن يحرمَ أحداً من أولاده من الميراثِ أو أن يُحابيَ أحداً على حساب أحد!
قد يكون للأب ابنتان واحدة لها زوج فقير والأخرى لها زوج غني، وإذا خصَّصَ مُساعدةً بسيطةً للمُحتاجةِ دون الغنية فلا بأس على أن يجعلَ هذا سِراً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ليَسُد الباب في وجه الشيطان، وكذلك في شأن الأولاد، ولكن أن لا يعدل بسبب حبه لأحدٍ أكثر من أحد فهذا عين الجور والظلم الذي رفض النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يشهدَ عليه!
بقلم: أدهم شرقاوي