+ A
A -
توفيق شومان كاتب وصحفي لبناني

ما كادت تطورات الثامن من شهر ديسمبر/‏ كانون الأول الحالي، تفضي إلى انقلاب المشهد السوري، بسقوط النظام وانفتاح ما بعده على احتمالات حائرة، حتى تزاحمت الأسئلة اللبنانية التي استنبتتها التطورات الجارية في الدولة الجارة. منها ما يرتبط بشكل العلاقة ونوعها بين لبنان والحكم الجديد في سورية، وضمن أي إطار يمكن أن تمضي، فترقى إلى مستوى الدولة مقابل الدولة، أو تدور في فلك العلاقة بين الدولة الواحدة، أي سوريا، وبين كل جماعة لبنانية على حدة.

هذا السؤال السابق لأوانه، لكونه مرتبطا باستقرار الأوضاع في سورية، يصبّ في مآل يستشرف اتجاه العلاقات اللبنانية ـ السورية في المستقبل القريب. ومن خلال استبيان النظرة السورية الجديدة إلى لبنان، يمكن طرق أبواب الحديث عن نوعية العلاقة بين بيروت ودمشق.

لم تكتمل بعد صورة الحدث السوري، وقد يكون طبيعيا ألا تكتمل معه محدّدات السياسة الخارجية السورية، لكن لبنان القلق على أوضاعه الداخلية، والقلق أيضا من عدم اتضاح شكل الحكم الجديد، تأخذه، أولاً، هواجس (ومتاعب) الحدود الطويلة مع سوريا (370 كلم)، ويتأتى ذلك من عاملين: الأول: دخول موجة نزوح سورية مستجدّة إلى الأراضي اللبنانية ناشئة من التطورات السورية أخيراً، وهي موجة مضافة إلى النزوحات المتكرّرة منذ عام 2011، وفي الوقت نفسه، لم يشهد لبنان حركة عودة سورية عالية المنسوب كانت متوقعة إثر المتغيّرات التي قلبت المشهد السوري.

الثاني: مضمونه أمني، وميدانه الحدود المشتركة، فثمة مخاوف لبنانية من احتكاكات أو مناوشات تصل إلى مستوى الصدامات بين الجيش اللبناني وفصائل سورية مسلحة تقترب من مواقع الجيش أو تطلق النار على أفراده، وهذا أمر جرى أكثر من مرّة في الأيام القليلة الماضية.

وباستدعاء أسئلة الداخل اللبناني مجدّداً، يأتي هاجس عدم طي صفحة ما قبل 8 ديسمبر، واعتبار دمشق أو بعض منها أن تلك الصفحة مفتوحة، ما يعني تصدير التوتر، وربما ما أعلى منه، إلى لبنان، على قاعدة «الحساب المفتوح» مع فئات سياسية لبنانية محدّدة.

وفيما مصدر هذا الهاجس اللبناني من خارج الحدود، ثمة هاجس مماثل من داخلها، عنوانه اندفاع أطراف لبنانية معينة للاستثمار في الواقع السوري الجديد، والسير في جدول أعمال، أقلّ ما تقول عناوينه نزع سلاح حزب الله. وفي هذه اللحظة اللبنانية الحرجة، إسرائيلياً وسورياً، للمرء أن يتخيّل تداعيات ما يمكن أن ينجم عن مثل هذه الطروحات التي يمكن أن تدر على لبنان محنة ومشقة ووبالاً.

وإذ ينتظر اللبنانيون ملمحاً أو مؤشّراً من دمشق حيال كيفية التعاطي السوري مع لبنان، وعلى أي أسس يمكن أن تُبنى قواعد العلاقة بين الجانبين، وهو أمر لم يرشَح عنه شيء يمكن البناء عليه، فبيروت من جهتها تلتزم الصمت، وتنتظر ما يمكن أن تؤول إليه المواقف الإقليمية والدولية تجاه المستجدّات السورية، كما أنها تأخذ بالاعتبار التباينات الداخلية اللبنانية وتعدّد القراءات المحلية للحدث السوري ومتغيّراته الجذرية. ومع ذلك، هناك من يسأل في العاصمة اللبنانية ماذا لو لم يتفق «السوريون الجدد» على موقف موحّد من لبنان؟ وماذا لو كان لهؤلاء أو لبعضهم مواقف إزاء قوى سياسية لبنانية وازنة وفاعلة؟ حينذاك، كيف تكون السياسة السورية تجاه لبنان، وكيف تكون سياسة الأخير تجاه سوريا؟

لا إجابات على مثل هذه الأسئلة، لا في بيروت ولا في دمشق. ومع هذا الإرباك الثنائي، يذهب لبنانيون إلى أن القوى العسكرية والأمنية اللبنانية على الحدود مع سوريا قد تجد دليلا إلى نوعية التعاطي السوري مع لبنان، بعد استلام قوى عسكرية وأمنية سورية معابر الحدود، فنوع هذا التعاطي يحمل في مضمونه أكثر من إشارة ودلالة إلى مسار العلاقات اللبنانية ـ السورية.

وبما يختص بالحدود، يبدو الرهان اللبناني على تركيا، ففي بيروت، كما في غيرها، ثمة قناعة بالإشراف التركي على الإدارة السياسية الحالية في سوريا، وهذا مبعث طمأنينة، خصوصا حين يجري التداول في أروقة سياسية لبنانية عُليا، أن أنقرة تضمن عدم اقتراب فصائل سورية من الحدود اللبنانية، وهذه الضمانة جاءت بعد أسئلة مرتابة من بيروت وجهتها لأنقرة، فأتت «الضمانة» على الشكل المذكور.

وإلى تلك الأسئلة، واحد منها يتصل بالهاجس من إسرائيل، فالتوافق على وقف الأعمال القتالية وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 على الجبهة اللبنانية، لا يعني، في أي حال، توقف الحرب كما هو معروف في التفسيرات التي تفرّق بين وقف القتال ووقف الحرب، وفي ظل المتغيرات السورية، ثمة من ينادي في تل أبيب بانتهاز تلك المتغيرات، واستكمال الحرب على لبنان، واستنساخ ما تفعله إسرائيل بالأصول العسكرية السورية، عبر قطع الدابر الجغرافي بين لبنان وسورية بالنار المتواصلة أو المتقطعة، أو عبر جعل ورقة الضمانات الأميركية ـ الإسرائيلية أساسا لطريقة التزام تل أبيب بالقرار الأممي، وليس بالضرورة أن يكون العدوان على لبنان شاملا بالشكل الذي عرفه بين 23 سبتمبر/‏ أيلول و27 نوفمبر/‏ تشرين الثاني الفائتين، وإنما على نمط الضربات الجوية الإسرائيلية لسورية طوال السنوات التي خلت.

بصورة من الصور، ينتظر لبنان إجابات من سوريا، وما من أحد متيقن أنها قد تأتي سريعة أو متأخرة، ومباشرة من دمشق أو غير مباشرة، أو عن طريق طرف ثالث أو أطراف عدة. والأهم أن الاستقرار السوري أو عدمه هو ما يجيب على هذه الأسئلة.{العربي الجديد

copy short url   نسخ
17/12/2024
5