غزا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناحية نجد، وفي طريق عودتِهِ أدركتْهُ شمس الظهيرة في وادٍ كثير الشَّجر، فأعطى أمرَه للصحابة أن يستظِلُّوا ويستريحوا قليلاً، فتفرَّقوا كل منهم في مكان، وتركوا له شجرةً ظليلة وابتعدوا عنه كي يستريح…
فعلَّق سيفه ونام، فجاء رجل من المُشركين وأخذَ سيفه، وأخرجه من غمده، واستيقظ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له المشرك: ألا تخافني؟!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا!
قال: فمن يمنعك مني؟
قال: الله!
فسقطَ السَّيفُ من يده! فأخذه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال له: فمن يمنعك مني؟!
فقال: كُنْ خيرَ آخذٍ!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: تشهدُ أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟
قال: لا، ولكني أُعاهدكَ أن لا أقاتلكَ، ولا أكون مع قومٍ يقاتلونك!
فقبلَ منه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك، وخلَّى سبيله.
فأتى الرَّجُلُ أصحابه، فقال: جئتكم من عند خير الناس!
الشَّاهِدُ في القصة أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَبِلَ من الرجل الحياد، أن لا يكون معه ولا يكون عليه، وهذه حكمةٌ عظيمةٌ في السياسة خصوصاً والحياة عموماً مفادُها: إذا لم تستطعْ أن تجعلَ من شخصٍ صديقاً لكَ فليس بالضرورة أن تجعله عدواً!
للأسف لا يقبل الناس في أيامنا مسافةَ الحياد هذه، ويتصرَّفون على مبدأ: إذا لم تكُنْ معي فأنتَ ضدي! وهذا من أتفه مبادئ الناس!
يقعُ خلافٌ بين صديقين، فتجدُ صديقاً لكليهما يُحافظُ على الود معهما، فلا يقف في صف هذا ولا صف ذاك، ويُحاول قدر المستطاع أن يُعيدَ الأمور بينهما إلى مجاريها، فإذا فشل استمرَّ على صداقة الاثنين، فلا يرضى أحدهما بذلك ويُخبره أن عليه أن يختارَ بينهما، إما أنا أو هو! فإذا كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد قبلَ الحياد في قضية شركٍ وإيمانٍ من رجل رفضَ أن يُؤمن، فمن أنتَ حتى لا تقبل الحِياد في قضيةٍ من توافه الدنيا هي في الغالب خلاف في وجهات النظر، أو على شيء من المال، أو ربما بسبب قيلٍ وقال!
ويقعُ خلافٌ زوجي، فتقفُ عائلة الزوجة كلها مع ابنتهم ويُعاملون صهرهم كأنه فرعون يخطبُ في الناس «أنا ربكم الأعلى»! وتقف عائلة الزوج كلها مع ابنهم ويُعاملون زوجته كأنها سجاح إذ ادَّعتْ النُبُوَّة! لماذا علينا أن نتعاملَ مع كل مشاكل الحياة على أنها حرب بين خندق الباطل وخندق الحق؟! لماذا علينا أن نكون جنوداً في حروبٍ ليس لنا فيها ناقة ولا جمل؟! ولماذا لا نفهم أن الذي ليس معي ليس ضدي؟!
بقلم: أدهم شرقاوي