أول ما يتبادر إلى الذهن في مثل هذا الحديث، هو التذكير بأن للولايات المتحدة الأميركية، سياسة قومية استراتيجية لا تتغيّر، يُمثّل فيها الرئيس الأميركي أحد أضلاع القرار وليس كله، ورغم أن هذه القاعدة صحيحة بالجملة، وبالتجربة التاريخية، إلا أن عهد ترامب ذاته، مثّل خرقاً لها، وخاصة في كيفية تحصيل المصالح المادية والإستراتيجية لواشنطن، على حساب الحلفاء والخصوم معاً.
وهو ما أشار له الرئيس المنتخب جو بايدن، في حديثه المُركّز حين إعلان ترشيحه فريق الأمن والسياسة الخارجية، حيث خاطب الأميركيين والعالم معاً، بأن واشنطن شريكة العالم جاهزة للعودة كما عرفتموها، هنا القضية ليست في تراجع حكومة بايدن بجوانب النفعية المتوحشة، التي ظلت حاضرة في السياسة الأميركية لعقود.
ولكن في طريقة التعاطي، في السياسة الخارجية، بطريقة مُحصّل الضرائب المضطرب، يطوف على حلفائه، ويُهددهم ضمناً، أو يَربتُ على أكتافهم، بعد تقديم الضريبة كالأطفال، وهو السلوك الذي اصطبغت به سياسة ترامب.
وينبغي هنا أن نستحضر رغم هزيمة ترامب، بأنه بهذه الصفة الفوضوية على العالم وعلى الأميركيين، قد حقق حضوراً قوياً في الضمير اليميني وغيره، لدرجة أن يستبقي له إرثا يساعده مستقبلاً، لإعادة التفكير بالترشّح، وأن سياساته حظيت ولا تزال بإسناد جمهوري، والأهم من ذلك، أنه فرض طريقة تعامله، على الزبائن المختارين من العالم، وخاصة في الخليج العربي، وحصد من ذلك ميزانيات ضخمة.
ولذلك فنحن هنا أمام حالة فكرية، واستراتيجية سياسية خطيرة، تُعيد التذكير بالميزان المطفّف والظالم، بين واشنطن ومصالح الشعوب، وبين شمال العالم وجنوبه، والرسالة الفكرية هنا عميقة أيضاً، في أن يُعيد العقل العالمي المعاصر، والعربي بالذات، رؤيته في تاريخ الصناعة الديمقراطية، للولايات المتحدة الأميركية، والجوانب السلبية الكارثية، التي تُحوّل المادة وقوتها، إلى هيمنة على حياة الإنسان وحريته.
وهنا ندلفُ إلى مركز المقال، فالعلاقة بين الخليج العربي اليوم، وبين حكومة بايدن، مدخلها هو انقضاء عهد ترامب، أكثر من أنه مجيء رئيس جديد لأمريكا، هذا العهد دعم الحماقة الكبرى في قرار غزو قطر، وقرار المواجهة مع الحالة الفكرية الإسلامية، والتوحش ضد الحقوق خاصة في الإمارات، وهو التوحش الذي اعتمد بالفعل على داعم في صورة تاجر جشع لمصالحه، يهمه كمية الدفع، وليس وضع السوق بعد هذه الفواتير، بما فيها مصالح السوق الأميركي.
هنا هذا الفارق في سياسة بايدن يلعب دوراً نسبياً في ذاته، ورئيسياً في إقليم الخليج العربي، وخاصة في سياسة السعودية، ودعمها الاندفاع الذي تقوم به أبو ظبي وتحاول جر الرياض إليها، وخاصةً في زحزحة الضمير العربي، عن قضية الأمة في فلسطين، وخدمة المشروع الصهيوني ودعم توسعه.
غير أنهُ في ذاته، لا يُشكّل مركزية بديل تضمن، خضوع واشنطن، لهذا التحالف بالمطلق، ولا يُتوقع بالطبع أن يُعيق مجيء بايدن، هذه السياسة في التحالف مع تل أبيب، فهو مطلب قديم لواشنطن التاريخية الموالية لإسرائيل.
غير أن بقية المسارات، سواءً في السياسة الخارجية الأخيرة للرياض، أو في بعض ملفاتها الداخلية، قد يختلف فيها موقف الإدارة الأميركية، فهناك فارق ضخم بين رئيس البيت الأبيض الذي أعطى الضوء الأخضر لتفجير أزمة الخليج بكل أبعادها، وبين الرئيس الذي اتفق مع المؤسسات السيادية الكبرى في واشنطن حينها، والتي رفضت تحالف ترامب مع خطة ابوظبي في أيامها الأولى.
إن الخروج من أزمة الخليج بأسرع وقت، ومن حرب اليمن، ومن منصة المواجهة الفكرية، لحاضر العالم الإسلامي، يفترض أن يكون أهم نصائح المهنيين لمن جعل كل بيضه في سوق أبو ظبي.
كما أن ملفات الحقوق الضاغطة والبأس على الناس، سياسياً واقتصادياً، لن يمنح الحد الأدنى من سكينة الشعوب، التي تفور مشاعرها ونخبتها في السجون.
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية
وهو ما أشار له الرئيس المنتخب جو بايدن، في حديثه المُركّز حين إعلان ترشيحه فريق الأمن والسياسة الخارجية، حيث خاطب الأميركيين والعالم معاً، بأن واشنطن شريكة العالم جاهزة للعودة كما عرفتموها، هنا القضية ليست في تراجع حكومة بايدن بجوانب النفعية المتوحشة، التي ظلت حاضرة في السياسة الأميركية لعقود.
ولكن في طريقة التعاطي، في السياسة الخارجية، بطريقة مُحصّل الضرائب المضطرب، يطوف على حلفائه، ويُهددهم ضمناً، أو يَربتُ على أكتافهم، بعد تقديم الضريبة كالأطفال، وهو السلوك الذي اصطبغت به سياسة ترامب.
وينبغي هنا أن نستحضر رغم هزيمة ترامب، بأنه بهذه الصفة الفوضوية على العالم وعلى الأميركيين، قد حقق حضوراً قوياً في الضمير اليميني وغيره، لدرجة أن يستبقي له إرثا يساعده مستقبلاً، لإعادة التفكير بالترشّح، وأن سياساته حظيت ولا تزال بإسناد جمهوري، والأهم من ذلك، أنه فرض طريقة تعامله، على الزبائن المختارين من العالم، وخاصة في الخليج العربي، وحصد من ذلك ميزانيات ضخمة.
ولذلك فنحن هنا أمام حالة فكرية، واستراتيجية سياسية خطيرة، تُعيد التذكير بالميزان المطفّف والظالم، بين واشنطن ومصالح الشعوب، وبين شمال العالم وجنوبه، والرسالة الفكرية هنا عميقة أيضاً، في أن يُعيد العقل العالمي المعاصر، والعربي بالذات، رؤيته في تاريخ الصناعة الديمقراطية، للولايات المتحدة الأميركية، والجوانب السلبية الكارثية، التي تُحوّل المادة وقوتها، إلى هيمنة على حياة الإنسان وحريته.
وهنا ندلفُ إلى مركز المقال، فالعلاقة بين الخليج العربي اليوم، وبين حكومة بايدن، مدخلها هو انقضاء عهد ترامب، أكثر من أنه مجيء رئيس جديد لأمريكا، هذا العهد دعم الحماقة الكبرى في قرار غزو قطر، وقرار المواجهة مع الحالة الفكرية الإسلامية، والتوحش ضد الحقوق خاصة في الإمارات، وهو التوحش الذي اعتمد بالفعل على داعم في صورة تاجر جشع لمصالحه، يهمه كمية الدفع، وليس وضع السوق بعد هذه الفواتير، بما فيها مصالح السوق الأميركي.
هنا هذا الفارق في سياسة بايدن يلعب دوراً نسبياً في ذاته، ورئيسياً في إقليم الخليج العربي، وخاصة في سياسة السعودية، ودعمها الاندفاع الذي تقوم به أبو ظبي وتحاول جر الرياض إليها، وخاصةً في زحزحة الضمير العربي، عن قضية الأمة في فلسطين، وخدمة المشروع الصهيوني ودعم توسعه.
غير أنهُ في ذاته، لا يُشكّل مركزية بديل تضمن، خضوع واشنطن، لهذا التحالف بالمطلق، ولا يُتوقع بالطبع أن يُعيق مجيء بايدن، هذه السياسة في التحالف مع تل أبيب، فهو مطلب قديم لواشنطن التاريخية الموالية لإسرائيل.
غير أن بقية المسارات، سواءً في السياسة الخارجية الأخيرة للرياض، أو في بعض ملفاتها الداخلية، قد يختلف فيها موقف الإدارة الأميركية، فهناك فارق ضخم بين رئيس البيت الأبيض الذي أعطى الضوء الأخضر لتفجير أزمة الخليج بكل أبعادها، وبين الرئيس الذي اتفق مع المؤسسات السيادية الكبرى في واشنطن حينها، والتي رفضت تحالف ترامب مع خطة ابوظبي في أيامها الأولى.
إن الخروج من أزمة الخليج بأسرع وقت، ومن حرب اليمن، ومن منصة المواجهة الفكرية، لحاضر العالم الإسلامي، يفترض أن يكون أهم نصائح المهنيين لمن جعل كل بيضه في سوق أبو ظبي.
كما أن ملفات الحقوق الضاغطة والبأس على الناس، سياسياً واقتصادياً، لن يمنح الحد الأدنى من سكينة الشعوب، التي تفور مشاعرها ونخبتها في السجون.
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية