مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بامرأةٍ تبكي عند قبر ابنها، فقال لها: اتقي اللهَ واصبري!
فقالتْ له وهي لا تعرفه: إليكَ عني فإنكَ لم تُصَبْ بمصيبتي!
فتركها ومضى، فمرَّ بها رجلٌ فقال لها: هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!
فقالتْ: واللهِ ما عرفته!
فأصابَها من الكربِ ما أصابَها لمَّا علمتْ أنه النبي صلَّى الله عليه وسلََم خجلاً منه ومهابة، فأتتْ بيته، وقالت له: يا رسول الله لم أعرفك!
فقال: «إنما الصَّبرُ عند الصَّدمة الأولى»!
وقال ابن حجر في رائعته فتح الباري: المعنى أن الصبرَ الذي يُحمدُ عليه صاحبه ما كان عندَ مُفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو، ولذلك قيل: كل شيءٍ يبدأُ صغيراً ثم يكبُرُ إلا المُصيبة، فإنها تبدأُ كبيرةً ثم تصغُر.
وانظُرْ لأدبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كيف تفهَّم نفسية المرأة المصابة بِفَقْدِ ابنِها، فعلى فظاظةِ جوابها لم يُجادلْها، ولم يردَّ عليها، وإنما تركها ومضى، وهذا درسٌ بليغٌ لنا في تحمُّلِ الشخص الذي ينزل به مصاب من فقدٍ أو مرضٍ أو فقرٍ مُفاجئٍ، فنجده على غيرِ ما اعتدنا أن نجدَه في ظروفه العادية، فالإنسان خُلِقَ هلوعاً، فلا تعتبروا كل جواب من مصابٍ أو فاقدٍ أو مكلومٍ مسألة شخصية، تفهَّموا حالته النفسية وتذكَّروا أن خيرَ الناس أعذرهم للناس!
هذه الدنيا دارُ فقدٍ بالأساس، ما جاءَها أحد إلا غادرَها، الأنبياءُ والفجرةُ، الحكامُ والمحكومون، الفقراءُ والأغنياءُ، العُلماءُ والجُهلاءُ، وصحيحٌ أن فقدَ الأحبةِ غربة، ومُصابَ الموتِ أليم، إلا أن الرضا بقَدَرِ اللهِ بلسم، وبيوت الحمد في الجنة لا تُبنى لغيرِ الذين سلَّموا أمرهم لله ساعة الفقد، وأعظم الصبر ما كان عند الصدمة الأولى!
لا عليكَ بالناصح ما دامت النصيحة صواباً! من الناس من يقبلُ الخطأ ممن يُحبه ويرفضُ الحق ممن يكرهه، وهذا من غَلَبَةِ الهوى، وغيابِ الحكمةِ والعقل، فلا تكُنْ كالمرأة في هذه القصة رفضَتْ أول الأمر نصيحة فيها حق لأنها لم تعرفْ الناصح!
إذا أفسدتَ ذاتَ فقدٍ ومصيبةٍ، فتفوَّهْتَ بكلامٍ جارحٍ لأحد، فبادرْ بإصلاح ما أفسدت، فهذا من aحين جاءت مُعتذرةً تُصلح ما أفسدَتْه، وهذا من خُلُقِ الأنبياء «فلمَّا سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح» وكان قد رماها ساعة غضب!
بقلم: أدهم شرقاوي