سقط بشار في مشهد لم يستوعبه كثيرون إلى اليوم بل إن منهم من لا يصدّق حتى هذه اللحظة أنه هرب إلى روسيا. هرب السفاح بعد أن ارتكب في بلاد الشام أبشع المجازر والمذابح قتلا وحرقا وجوعا وقصفا بالسلاح الكيماوي. ارتكب الأسد والمليشيات المرتبطة به فظائع لم يرتكبها جيش في التاريخ الحديث بما في ذلك الحرب العالمية الثانية وليست مشاهد سجن صيدنايا المرعبة إلا قطرة في بحر التوحش الأسدي.
مما لا شك فيه أن الجراح لن تندمل بسهولة بل ستحتاج جيلا أو جيلين أو أكثر ففي كل منزل هناك شهيد أو فقيد أو جريح أو بشر خارج للتو من جحيم الموت. أكثر من خمسين سنة من الاستبداد العسكري المتوحش والقمع الذي لا يرحم لا يمكن أن تُمحى بسهولة. أمام السوريين طريق طويلة لترميم الذاكرة وتجاوز المحنة وتحقيق العدل والقصاص من القتلة والمجرمين.
لن تكون الطريق سالكة أو سهلة بل ستكون محفوفة بالمخاطر والانزلاقات والأخطاء وهو ما يوجب الحذر الشديد من أجل الحدّ من النزيف ومنع الانزلاق والعودة إلى الوراء. لا يختلف كثيرون في أن سوريا وثورتها المجيدة تمتلكان كل أسباب النجاح والنصر لأسباب عدّة تجعلها مختلفة عن بقية مسارات الربيع العربي التي انتهت بالانقلابات.
نجحت ثورة سوريا من الداخل بفضل صمود أهلها وتضحيات ثوارها وقد فاق عدد الشهداء فيها مليونيْ شهيد ومفقود لكن التهديدات لن تأتي إلا من الداخل أيضا حيث لا تزال قوى الثورة المضادة لم تتجاوز مرحلة الصدمة الأولى. من جهة أخرى لا يمكن التقليل من خطورة العوامل الخارجية.
إن الثورة السورية الحقيقية قد بدأت الآن ضد نظام البعث وحكم الأقلية وضد الجلادين والمجرمين الذين ارتكبوا أبشع مجازر القرن. لكنها بدأت خاصة ضد ثقافة الاستبداد بما هي أخطر أركان النظام الاستبدادي بكل مكوناتها من طائفية وإقصاء وفساد وقمع وتعذيب وتدمير ممنهج لمقومات الأمة وقدراتها.
لن تكون الطريق سهلة لكنها في نفس الوقت ليست مستحيلة لأنها ستستفيد حتما من تجارب الثورات العربية الأخرى من أجل ضمان نجاح الانتقال الديمقراطي. حظوظ نجاح سوريا أكبر من مخاطر فشلها لأنها جاءت في سياق مختلف وفّر لها كثيرا من أسباب النجاح[email protected]